هل طاووس ملك هو الله عند الأيزيدية ؟

غازي نزام


حينما يكون السؤال خارج نِطاق الفهم أو مُبهَم أَحياناً وأَحياناً أُخرى مُحاطاً بِهالة من القَداسة ، يَبقى الباحث او الكاتب في حيرَة من أَمرهِ حينَها عَليهِ أَن يُفَكر مَرتين قَبل تَفسيرهِ وتأويلهِ والَأجابة عَليهِ، ليُحافظ على حياديَتهِ في الكِتابة من جِهة وأقناع مُتابعيهِ وقُرّاءهِ من جِهة أُخرى ،مُعتَمداً على مَصادر تاريخية وعلمية رَصينة، وموضوعنا هذا حَساس لنُدرة المَصادر عَنهُ وحَساسيتهِ لأسباب دينية وفَلسفية بَحتة وخاصة طاووس مَلك الأيزيدي، أَما الله رُبما لايَحتاج الى تَفسير وتَوضيح للمَعنى الحقيقي لَه لكونهِ واضح المَعنى عند أَكثر الشعوب والأديان والميثولوجيات واللُغات حيث يُعَد ) الخالق الَأكبر ( وَرب الَأرباب وخالق الَأكوان والأله الَأكبر الكُلي القُدرة يَفعل مايَشاء الذي يُحّي ويُميت وهو ( الله ). أَما طاووس ملَك مَوضوع سؤالنا وبَحثنا هذا لايَقل أَهمية عَن الله في نَظر مُعتَنقيهِ، بالرَغم من الأتِهامات المُوجه اليهِ من عَدد غَير قَليل من الَأديان والمُعتقدات حيث يُنعت بأبليسأَو الشيطان أَحياناً وإِله لِلشَر أَحياناً أُخرى، دون دَليل تاريخي بَحثي أَو فَلسَفي ،وهو لَيس مَوضوع بَحثنا هذا، رَبَما نُعالجهُ في بَحث مُفصل وَفي وقت آخر ، فَطاووس مَلك عند الأيزيدية هو الله خالق الَأكوان بِحسب النصوص الدينية، وهو  ضلع أَساس في الثالوث الأيزيدي وفي ( الپانثيون الألهي ) في كونهِ تَجلياً من تَجَليات الألوهية الأيزيدية، هذا مانَستَشفَهُ بوضوح في ( قَول طاووس مَلَك ) الذي يُعتَبر واحداً من أَهم النصوص الدينية الأيزيدية، حيث كُل ماوَصَف بِه ( طاووس مَلك ) في هذا النَص يَتَطابق مَع أَوصاف الله وصِفاتهِ فَ طاووس مَلَك بحَسب الأعتقاد الأيزيدي هو الَأول والَأخير ، والعَليم والحَكيم ، والكَريم ، والرَحيم ، والقَديم ، والرَب الخالق نَفسَهُ بِنَفسهِ، ورَب كُل الجهات، مَلك الأنس والجن، والعرش والكُرسي والداء والدَوَاء، والحَي القَيوم والباقي وَغيرهُ مايَدوم، وهو تَجَلي من تَجَليات الله، لابَل أسم من أَسمائِهِ، وكَما يَقول العلم الأيزيدي الشَفَهي، الأله الكَثير في الواحد الَأحد حيناً، والأله الواحد الَأحد في كثيرهِ أَحياناً أُخرى، مايَعني أنهُ يُمَثل بهذا الشكل أَو ذاك صورة ( الأله الكامل ) في كُل أَوصافهِ وصفاتهِ ،فيخَيرهِ كَشَرهِ ، وفي شَرهِ كَخيرهِ

(١) قه ولئ تاووسى مه لهك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ياره بى تو مه له كئ كه ريمي

تو مه له كئ عه رشى عه زيمى

ياره بى ژ ئه زل دا هه ر توى قه ديمى

المَعنى :

ياإلهي أَنت الرَب المَلك الكَريم أَنت إِله العَرش العَظيم

يا إَلهي أنت قَديم منذ الَأزل

 

تو تام وكام وراى

يا ره بى هه ر تو خوداى هه ر تو هاى

و هه رتويى لايقى مه دح و سه ناى

 

المَعنى :

أَنت الكَمال والتَمام وصاحب الرَأي أَنت الأله وأَنتالله

أَنت الدائم والَأبَدي

مَن تَستَحق العبادة والسجود (٢)

وعَن طاووس مَلك الأيزيدي جاءت العديد من النصوص الدينية المهمة منها، قه ولى بابه كرئ ئومه را ، قه ولئ په دشاى، قه ولئ سلتان ئيزئ

قه ولئ سلتان ئيزئ :

سولتانؤ ! سه ردارئ جه ندى سولتان خالقه

كى منى عه ردو عه زمان

ئه و سلتان شيخاديه ، ميرا بساغى ژى ددان به يان

 

المَعنى :

يا أيها السُلطان على رأس جَميع السَلاطين خالق الَأرض والسَماء

السلطان شيخادي هو مَن أَعلن لهُ طاعَتهُ

 

  • طاووس ملك الأيزيدي وقصة الخلق والمَوت

لطاووس مَلك الأيزيدي دور مُهم وَواضح في قصة الخَليقة كما جاء في النَص الديني ( په دشا – الأله )

إلهي غَـفـور : مـن عـندهِ تـأتي الـقـرارات للَأرض وأَركـانهِ الَأربـعـة

إلـهـي خَـلَـق الـكَـون : صَـورهـا وأَتـم مَـفـاهـيـمــها وشـــاء أَن يَـنـعـم

 

جنس آدم فيها إلهي سُر السَماء: وهو الليل والنَهار والزَمان من عندهُ تأتي الكَرامات

إلهي هو رَب الملائكة : وهو رَب الَأسرار الخَفية العَظيمة إله المَلائكة العظماء .

إلهي خَلق الكون من الجَوهرة والدرّة ، وسَلمها الى الأسرار الَأزلية السَبعة ، وجَعَل طاووس مَلك يَرأسهم

إلهي هو رب آدم ، من عندهِ تأتي الكَرامات في كل زَمانه ومَكان . وَمن تَجَلياتهِ الطَبيعية والماديةوتأثيرهِ على النَفس الأيزيدي جَعَل جَمال طاووس مَلَك على هَيئة عَلَم عِندما حاول الشيخ حَسَن بن عُدي أَبو البَرَكات أَن يُدَشن أَفكارهِ السياسية في إِطار دولة دينية قام بِوَضع تَخطيط رمز أَو عَلَم لدولَتهِ المنوي تَكوينها وسَمى هذا الرَمز ( السنجَق ) الذي أَصبح يُفهَم منهُ بأَنهُ رَمز طاووس مَلَك لاحقاً وهو الرَمز الديني الأيزيدي الَأهَم الذي يَتَجول في جميع مناطق وقرى الأيزيدية لتوعية الناس ونشر الدين وهو رَمز مُقَدس تَتَبَرك بهِ جميع أًبنا الديانة،(٣) وجاء عَنهُ في النص الديني عَن الخليقة والمَوت والروح ( قه ولئ سه ره مه ركئ ) كما أنهُ هناك العديد من النصوص الدينية بهذا الخصوص كَقول ( شيخادى شيخئ شارا ) وهناك دُعاء خاص ضمن أَدعية الأيزيدية المُهمة ) دُعاء طاووسي ملك ( ونصوص أُخرى لامجال لذكرها لمحدودية البحث . (٤)

قه ولى سه ره مه رگئ :

كه ره مكه ن وده نگ هلينن

ته رقينئ وياسينا ل سه رمن بخوينن

نافئ خودئ وتاوسئ مه له كل سه رمن بينن

 

المَعنى :

تَفضوا أتلوا الدُعاء

وأقرأوا عليَّ التَلقين والياسين

وسَّموا باسم الله وطاووس المَلائكة (٥)

 

  • طاووس مَلك إِله الشمس

من المَعلوم للمؤرخين والباحثين والمُهتمين بالَأديان القديمة أن الأيزيدية هي من الديانات القَديمة التي سَبقت الديانات الأبراهيمة وهي من الدينات الطبيعية كَما ذَكرناها في مقالات سابقة وهي ديانة العناصرالَأربعة ( الماء ، الهَواء ، النار أَو الشمس، التراب) ، والمَعلوم أن كلمة ( تاف أَو تاو ) باللغة الكوردية تعني نور الشمس، حيث أن كلمة ( تاووس ) مُرَكبة من كلمتين هما ( تاو + ؤوس ) ومن هنا يَتَضح أن معنى كلمة تاووس هو نور الله ، أَو الِله النور، كذلك أن كلمة تاو لها مُرادف وأشتراك فـي اللغات الـهـنـدو أوربـيـة كـمـا بالـنـسـبـة لـ( ؤوس ) وكماهي باللاتينية (Tawos (٦) ، ويَقول الباحث والكاتب الدكتور خليل جندي أن حكمة تاووس جاءت من ( تيوس اليوناني ) بحسَب المؤرخ الفرنس ( ف . نو ) في كتابهِ عَن الأيزيدية ( النصوص والمصادر ) ص ١١٧، ومعناها الألوهية، وأُضيف اليه المَلك، وأَصبح تاووس المَلك، مَلك الآلهات، وهو مَلك سامي قبل كُل الآلِهات وهو أَزَلي، وهُناك من الباحثين مَن يَقول بأَنالمَعنى جاءت من ( تاو – طو – طاف ) وباللــغـة الـكــرديـة هه تاف = تيريژ ، يَـعـنـي الـضَـوء الَأحـمــر ، وبعدها الضَوء الَأصفر للقَمَر ، ويَقول المَرحوم الكاتب أَحمد مَلا خَليل أن كَلمة ( ته وس ) باللغة اليونانية يَعني الجَمال ، ويُقابلها باللغة الكردية ( تازه ) وهذه الصِفات هي من صفات الشَمس ( الَأشعة – النور – اللَّماع – الجَمال – المُنَسق )، وهي صِفات تَتَطابق مـع صِفات الأله كما عـند صَفات وجَـمال تاووس مَلك (٧)* وعَن الشمس في الديانات القديمة و ( تاو – تاف ) الذي يُمَثلهُ طاووس ملك ، جاءت في الديانة الزرادَشتية مُتطابقة مع آلهتهم، ( أَهورامَزدا ) إله للنور ذاتهُ ،فَهنا تَتَطابق كلا الفكرَتين، وهي قوة روحانية لايَستطيع خَيال الأنسان أستحضارها على صورتها الواقعية ، وليس في طاقة الكثير من الناس أَن يَصلوا الى تِلك المَرتَبة الراقية ، والتي هي قوة روحانية مَحضة مُجردة من شَوائب المادة ،، فقد رَمز الى كليهما ( أَهورامزدا – تاووس مَلك ) على وجه التَقريب بِرَمزان ( الشَمس والنار )، وكلاهما قوة نورانية سَماوية بِحسب جميع الَأديان والمعتقدات، وهي تُمَثل ذات الأله الَأكبر، كلي القدرةوخالق الكَون، وهوالله وكماجاء في الديانة الأسلامية ) الله نور السموات والَأرض ( (٨) وهو وذات النورالذي يُمَثلهُ طاووس مَلك الأيزيدي ، وهو ) الله ( التَوحيدي الأبراهيمي.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المَصادر والمَراجع -: ٠١ بروكا هوشَنك ،لُغز طاوسي مَلك ،أَو أَصل الخير والشَر في الديانة الأيزيدية ، ط١، ٢٠١٤ ، تَموز للطباعة والنَشر ، دمشق ، سوريا ٠٢ شمو قاسم ، جه ند تيكستين پيروزين ئولا ئيزديان ، ج١، باللغة الكردية ، من منشورات مركز لالش الثقافي ، دهوك، ١٣ ، للعام٢٠١٢ ٠٣ الدكتور مَموفَرحان عثمان، دراسات ومَباحث في فلسَفة وماهية الديانة الأيزيدية، تقديم ومراجعة، الدكتور عبدالفتاح علي بوتاني، مركز الَأبحاث العلمية والدراسات الكردية ،فاكولتي العلوم الأنسانية، جامعة دهوك ،٢٠١٣ ٠٤ الدكتور خليل جندي ، صَفحات من الَأدب الأيزيدي باللغة الكوردية ،ط١ ، مطبعة سبيريز ، ٢٠١٣ ، - نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية ، السويد ، ١٩٩٨، ٠٥ المَرحوم الأستاذ پير خدر سليمان ، تقاليد أَهل القرية ، گوندياتى ، باللغة الكوردية ، مَطبعة الحَوادث / بغداد ، ١٩٨٥ ٠٦ ،الأستاذ الكاتب والقاضي زهير كاظم عبود / طاؤوس مَلك رئيس المَلائكة لدى الأيزيديين / ط١ / سردم للِطباعة والنشر ، ٢٠٠٥ ٠* لجَمالهِ هذا يُرمَز لَهُ بطير الطاؤوس كما عند بعضالديانات ، حيث يُرمز عند المسيحية (طير الطاؤوس ) الى الخلود والروح الطاهرة ، للمزيد عن رَمزية طاووس ملك ، راجع كتابنا ، الزَرادَشتية دراسة فكرية وتاريخية، منشورات ، المديرية العامة للشؤون الأيزيدية/ أَربيل ، تسلسل/١٠ ٠٧ ، جندي خليل ، المصدر نفسهُ ٠٨ القرآن الكريم – سورة النور