مستخلص
يمكن أن تعدّ هذه الورقة تمهيداً اثنوكرافياً مكثفاً لمعبد لالش الايزيدي بوصفه مركزاً رئيساً لممارسة الطقوس الخاصة بالفرائض الرئيسة والثانوية فضلاً عن ما يمارس به من احتفالات وبأعياد كبيرة وعلى وجهه الخصوص العيد المسمى بـ (عيد الجماعية) التي تقام بتواريخ دورية محددة تتخللها عدداً من الملزمات والمحببات المحددة من مرجعياتها، وكان لابد لنا من بيان الوظائف المتمخضة عن تلك الطقوس او المراسيم وسيتعرف القارئ على عدد من الوظائف بشقيها الظاهر والكامن من خلال الوصف الاثنوكرافي.
الكلمات المفتاحية: مالينوفسكي، وظيفية، رمز، سياق، طقس.
المقدمة
محور هذه الورقة هو (معبد لالش) الذي يمثل المركز العبادي الرئيس لدى الايزيديين وقد تم تناول دراسته تفصيلاً بما يحيطه فضلاً عن طرازه المعماري وما يتضمنهُ من موجودات تشكل قيمة مقدسة لدى الايزيديين ممثلةً بـ(المدافن وعناصر طبيعية كالماء والتراب والنبات) مع التركيز على الممارسات التعبدية التوسلية للحصول على ما يبتغيه المتوسل كالشفاء من مرض والزيادة في (الرزق) وما الى ذلك من معتقدات تحيل الى الايمان بقوى فوق طبيعية يمكنهُ من ان يحقق كل ما يطلبه المؤمن بها مع شريطة الممارسات الطقسية من تراتيل وزيارة اماكن مقدسة، حج، تطهير بالماء المقدس ( تعميد) فضلاً عن ما يبذلونهُ من تقديمات مادية عينية نقوداً كانت ام نذوراً واضاحي. والجدير بالبيبان هو ان (برنسلاو مالينوفسكي) كان المرجع النظري والتطبيقي في هذه الورقة البحثية.
أفضل تعريف يمكن ان نقدمه للدين هو تعريفه بحسب دوركايم عرف الدين: منظومة موحدة من المعتقدات والممارسات التي تتعلق بالأمور المقدسة أي الأمور المحظورة والمحرمة (1) وينطوي على نوع من السلوكيات وتوص على انها سلوكيات دينية (2) والنشاط الديني ما هو الا نشاط اجتماعي، وهنالك ترابط بين الانساق الدينية وباقي الانساق في المجتمعات (3) وتجليات الدين تظهر في الطقوس والممارسات والاحتفالات الدينية، لان الدين شيء فلسفي غير ظاهري، يكمن ظهوره في الطقوس والرموز والاقوال الدينية. والطقس هو عبارة عن فعالية روحية تنجز وفق طريقة معينة ترسمها الأعراف وتستهدف استثارة الإلهة، او تجنب خطرهم(4) اما الرمز: هو علامة يتفق عليها للدلالة على فكرة او شيء ما (5) والدين
كما وصفه مالينوفسكي(*) في كتابه السحر والعلم والدين (الدين يعتبر مصدر انضباط أخلاقي)([6]) فعندما نقول انضباط فهذا يعني انه يخضع لأنظمة او تنظيم اجتماعي والتنظيم، بحسب مالينوفسكي بانه الأسلوب الموحد، قياساً لسلوك الجماعات(7).
فيما يلي سنوصف طقوس ومراسيم عيد الجماعية عند الديانة الايزيدية الذي تم رصد مراسيمه وطقوسه بطريقة الوصف الاثنوغرافي(*) وفق المنهج الوظيفي الذي قدمه مالينوفسكي الذي يفسر عمل جميع أنظمة المجتمع بانها تعمل على تقديم وظائف، تسعى بالنهاية جميعها لتحقيق وظائفه البيولوجية الأساسية للجسم، قدم مالينوفسكي مفهوم الوظيفة على انه (اداة منهجية تمكن الباحث الانثروبولوجي من اجراء ملاحظاته بطريقة مركزة ومتكاملة في اثناء وصفه لثقافة ما)، وشبه المنهج الوظيفي المجتمع بجسم الكائن الحي الذي يحتوي على مجموعة من الأجهزة التي تعمل كل منها على حدة وأداء وظيفة معينة فعلى سبيل المثال القلب تختلف وظيفته عن وظيفة الكبد والاثنان يعملان من اجل بقاء الانسان على قيد الحياة، هذا يعني ان للمجتمعات أنظمة ضمن ثقافتهم الخاصة، الثقافة تعد كياناً كلياً وظيفياً متكاملاً، لا يمكن فهم دور وظيفة أي عضو الا من خلال معرفة علاقتها بالأعضاء الأخرى ودراسة كل وظيفة تمكن الباحث الانثروبولوجي من اكتشاف ماهي كل عنصر وضرورته في هذا الكيان المتكامل، حسب مالينوفسكي المجتمع هو الذي ينشأ هذه الثقافة وأسلوب الحياة يضمن لهم اشباع جميع حاجاتهم الأساسية البيولوجية والنفسية والاجتماعية اذن فالثقافة تربط بالجوانب المادية والاجتماعية والروحية وكافة الاحتياجات الإنسانية([1])تؤدي وظائفها كلا على حدة بطريقة لا تتعارض مع بعضها البعض وفق نظام (**) ما ولكنها في نفس الوقت لديها اهداف سامية تساعد على استمرارية المجتمع، ولذلك دعا الى دراسة وظيفة كل عنصر ثقافي في المجتمع ليتسنى لنا بالنهاية فهم المجتمع ككيان متكامل.
(1) اندرو ادجار واخرون، موسوعة النظرية الثقافية، ت: هناء الجوهري، ط2، المركز القومي للترجمة، 2014، ص 309
(2) بياربونت واخرون، الاثنولوجيا والانثروبولوجيا، ت: مصباح الصمد، ط2، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 2011، ص 120
(3) جعفر نجم نصر، فصول في سوسيولوجيا الدين، دار الرافدين، ط1، 2016، ص 15
(4) قيس النوري، طبيعة المجتمع البشري، ج1، مطبعة الأسد، بغداد، ص 261
(5) إبراهيم مدكور، المعجم الفلسفي، الهيئة العامة لشؤون المطابع، القاهرة، 1983، ص92
(*) مالينوفسكي: برونسلوف كاسبر مالينوفسكي وهو عالم انثروبولوجي نمساوي، بولندي النشأة، بريطاني الجنسية، تخرج من جامعة كراكاو 1908 في العلوم الطبيعية، قام بدراسة القبائل الأسترالية قبل الحرب العالمية الأولى وفي دراسة جزر التروبرياند دراسته كانت ميدانية ما بين 1914-1918، درس الانثروبولوجيا في جامعة لندن 1939-1942 ويعتبر هو راد كليف براون من مؤسسي المدرسة الوظيفية اشتهر بكتاباته عن السحر والحياة الجنسية لدى الشعوب البدائية من مؤلفاته:
- سكان الارجوناوتس في غرب الحيط الهادي.
- الجريمة والعرف في المجتمع البدائي.
-النظرية العلمية للثقافة ... وغيرها من الكتب والمقالات.
ينظر: شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، جامعة الكويت، ط1، 1981، ص590-591
(6) برونسيلاف مالينوفسكي، السحر والعلم والدين، ت: عمران احمد، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2022، ص 60
(7) اندرو ادجار واخرون، موسوعة النظرية الثقافية، مصدر سابق، ص 138
(*) الاثنوغرافي: هي طريقة للبحث التي تتم وفق ملاحظة وتسجيل المادة الثقافية في الميدان، ظهر هذا المصطلح في عام 1807 على يد كامبل الذي كان يعني (وصف الشعوب)، عرفها دياس بانها الدراسة الوصفية للثقافات، ويقول هوبل بانها الاثنوجرافيا: هي ذلك القسم من علم الانثروبولوجيا، الذي يختص بالتسجيل الوصفي للثقافات. ينظر: شاكر مصطفى سليم، قاموس الاثنولوجيا والفلكلور، ط1، جامعة الكويت، 1981، ص 16
([1]) عيسى الشماس، مدخل الى علم الانثروبولوجيا، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 2004، ص78-79
(**) نظام: مجموعة من الفعاليات والتطبيقات الاجتماعية الهامة، والتي تتعلق بظاهرة اجتماعية مهمة كالزواج والملكية والتعليم وتمتاز بالتكامل والثبات والشمول، وبطراز سلوكي معين، تهدف الى الضبط الاجتماعي واشباع الرغبات وسد الاحتياجات والحاجات الاجتماعية وهو حالة مقررة لسلوك الافراد ووسيلة من خلالها يحافظ افراد الجماعات على وجودها واستمرارها وتعتبر الأساس التي يقوم عليه البناء الاجتماعي. ينظر: شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص495
أجريت رحلة الباحثة الميدانية لرصد مراسيم عيد الجماعية التي حدثت في معبد لالش الذي يقع ضمن مناطق قضاء الشيخان التي يعتبر أحد اقضية سهل نينوى، بتاريخ 6 تشرين الثاني 2022 لغاية 13 من نفس الشهر، وقبل وصف احداث العيد سنوصف اثنوجرافيا المكان.
معبد لالش
معبد لالش او وادي لالش... في بقعة نائية وبعيدا عن ضجيج القرى والمدن وبين أحضان الطبيعة والخضرة الدائمة، يقع معبد لالش حوالي 45 كم من شمال محافظة نينوى و12 كم عن قضاء الشيخان، يوجد وادي لالش الكبير لتحيط به الجبال الثلاث التي تبلغ ارتفاعها حوالي 2 كم جبل حزرت على اليسار، وجبل عرفات على الشمال، وجبل مشت على الجنوب، تعلو المعبد العديد من القبب البيضاء المخروطية فهنالك مزارات كثيرة في هذا المعبد ومن اهم مزاراته: مزار (شيخ عدي)، مزار (الشيخ شمس) وهو (إله الشمس)، مزار العين البيضاء (كانيا سپي)، والعديد من المزارات الأخرى. قبل الحديث عن تفاصيل المزار وابنيته وازقه سوف نذكر ماهي كلمة (لالش)؟ وما سر هذا المكان؟ ذكر الكاتب داود مراد عن سبب تسمية لالش: (لالش الجنة وبابها الشمس لأنها كانت في السماء قبل خلق الأرض وان الأرض لم تستقر الا بعد نزول خميرة الأرض لالش من السماء فبدأت الأرض بالتصلب كما ذكرت) في القول (زەبونێ مەکسور).
د دلــــێ مــــــن دا نـــە مـــابــوو جـــــــــــــــــــــــۆرە
پـە دشایێ مـن لالـشەک ئاڤـاکـربـوو ل ژۆرە
دەرگـــــــــــەهـ لــــێ دانـــا قـــوبـلـەت بـــــــــــــــدورە
أصــــــفى قــلــبي مـــــن الألـــــم
ربــــي بـــــنا لالــــــشـا فـــي العــلى
ووضـــع لــهـا الشــمـس بـــابــها
من هنا نرى مركزية المكان وقدسيته وبان له نظيراً في السماء، وهذا ما طرحه ميرسيا الياد في كتاب احمد زين الدين (الديني والدنيوي، قراءة في فكر ميرسيا الياد) حيث تطرق الكاتب لكتاب العود الابدي لميرسيا الياد ليقول ان كل ما تنتجه الطبيعة او ما يصنعه الانسان لا يجد حقيقته ولا هويته الا بقدر نصيبه من الحقيقة المتعالية، في الكوزمولوجيا الدينية كل ظاهرة أرضية تطابق تسمية سماوية أي تطابق بالمعنى الافلاطوني (كل شيء له نظيره السماوي الذي يمثل الحقيقة)، فمعبد اورشليم قبل ان يبنيه الانسان كانت هنالك اورشليم سماوية خلقها الله(1) بعد ان علمنا بتسمية المكان وموقعه سنكمل وصفنا المعبد، البوابة التي تؤدي الى الدخول لمنطقة المعبد بنيت بصرح هندسي جميل ضخم يتجاوز ارتفاعه العشر امتار تقريبا، مادة حجر الحلان الأبيض (الصخور المسامية)، يوحي للناظر كانه من عهد الحضارة السومرية، مشكلة بستة هياكل هرمية منفصلة متجاورة يتوسطها فتحات بنصف دوائر مقوسة لتكون المنفذ والمخرج ويتوسط التقوس او المنفذين لوحة مجسمة بشكل شمس مضلعة بلون ذهبي، بعد تجاوزنا البوابة بمساحة تبلغ حوالي 3 كم او ربما اكثر، وعلى جانبي الطريق يوجد دورات مياه مخصصة للذكور والاناث، وبعدها توجد قنترة او جسر على اليمين من الشارع الرئيسي مكتوب عليها (پرا عنزەل) يبلغ طول الجسر حوالي العشرة امتار، وارضية المكان مرصوفة بأحجار الحلان البيضاء واعمدتها الامامية أيضا لتحمل قوسا مكتوب عليه (پرا عنزەل) كما أشارنا وأيضا مصنوع من حجر الحلان الأبيض، بعد تجاوز (پرا عنزەل) نتقدم بخطوات لنصل الى داخل المعبد حيث البناءات وهناك يحاسبون من يدخل للمزار وهو لم يقم بخلع نعليه، وهنا تعتبر نقطة فصل للدخول للمكان المقدس، فعلى اليمين واليسار والى الامام توجد الكثير من الأبنية التي قد بنيت لمبيت الزائرين بالإضافة الى الكثير من المزارات والهياكل، لنكتفي بالإشارة الى الأماكن المهمة في المعبد أولها مزار (كانيا سپي) أي العين البيضاء الذي يقع على جهة الغرب من المعبد، ترتبط هذه التسمية بحادثة الطوفان حسب ميثولوجيا الايزيدية بانها العين التي حافظت على عذوبة وصفاء ماءها اثناء طوفان النبي نوح، ويبد المزار من الاحواض الامامية
التي سوف يلاحظها كل من يدخل المعبد، ويجب على كلايزيدي زار المعبد ان يقوم بغسل يديه ووجهه بماء هذه الاحواض ويقوم بشرب رشفة منها للتطهير، كان علينا صعود السلالم للوصول لباحة مزار العين البيضاء، بعد ذلك دخلنا الى داخل غرفة المعبد التي يتقدمها باب خشبي منخفض الارتفاع، مرسوم فوقه دلو ماء، ويوجد حوض الماء المصنوع من الاسمنت وبقرب الحوض عين الماء النقي، ومزار (كانيا سپي) يعتبر المكان الذي يعمد فيه الايزيديين ويعتبر التعميد (موركرن) من اهم الواجبات الدينية، وهنا يتم رش الأطفال او حتى الكبار لتصبح ارواحهم حلالاً في الاخرة، اما رمزية الماء واستخدامها في الكثير من الديانات للتطهير، ذكر احمد زين الدين في كتابه الديني والدنيوي فالماء رمز للتطهر الروحي حيث شاعت عند معظم الأديان عادة الاغتسال او الوضوء بالماء قبل دخول المعابد، وهو عنصر يستخدم للتخلص من الذنوب والارتقاء بالنفس الى صف روح القدس كما في العماد عند المسيحيين، وعند المسلمين أيضا فهي رمز للتطهير والوضوء(1)
مزار شيخ شمس (شيشمس)
يقع هذا المزار الى الأعلى من مزار العين البيضاء، امام مدخل باب قبة المزار والمشكلة بأرضية مربعة الشكل تحتوي على ثلاث نوافذ مقوسه بنصف دائرة وعليها مجسم الشمس المضلعة، قبة المزارات الايزيدية مبنية وطريقة بناءها ذا دلالة رمزية فشكل القبة البيضاء المخروطية المضلعة تدل على اشعة الشمس المصنوعة من حجر الحلان الأبيض (الصخور المسامية) ويرأسها مجسم لرمز الشمس فهو نور الله او في بعض المزارات يوضع رمز الكف الأيمن الاخضر على شكل مثلث يدل على كف الله وقوة الله مصنوع بشكل مثلث حاد او منحني الزوايا او شكل اليد، ومربوط عليها اقمشة
مصنوعة من الساتان البراق الملون لدلالة على الوان الطيف، ابرز من تكلم عن رمزية الكف الأيمن روبرت هيرتز حيث كان من المهتمين بتحليل الرموز كانت دراسته الشهيرة (الموت واليد اليمنى) كي يبرهن عالمية اليد اليمنى بالمقارنة باليد اليسرى، وظهر هذا التأثير واضح عند دراسات ايفانز بريتشارد (اليمين واليسار)(2) والقبة المخروطية المستقيمة مسنودة على قرص دائري يرمز الى الارض الدائرية، وتحتها الجدران الاربعة مُشكلة غرفة على شكل مربع وانها تدل على العناصر الاربع الماء والهواء والنار والتراب، باب غرفة قبة المزار المصنوع من الخشب ارتفاعه حوالي المتر ونصف المتر وقد شكل بهذا الارتفاع المنخفض لاحترام قدسية المكان فيجبر الزائر من الانحاء ثم الدخول. بداخل كل المزار يوجد قبر رجل الدين حامل اسم المزار او قبر أحد اقربائه او توجد فقط نواشين(*) التابعة لهم على شكل احجار، وهذا ما نجد مصداقه عند طروحات ميرسيا الياد عن قدسية المكان حيث اظهر بان الناس ليس أحرار في اختيارهم للمكان المقدس بل أنهم يبحثون عنه ويكتشفونه بواسطة إشارات سريه اي أن المكان المقدس يكتسب قدسيته من إشارات إلهيه([1]). مزار (الشيخ عدي) يقع هذا المزار على يمين المعبد. بعد تجاوز عتبة الباب الكبير على جانبيه أعمدة من المرمر كتب على جهة اليمين (دەرێ میر) أي باب الأمير، ابعاده 3 × 4 تقريبا سوف ندخل في ممر يؤدي الى سلالم للنزول وعلى اليسار جلسة الرجال وتوجد بركة ماء مغطاة بشبكة حديدية لقدسيتها تسمى (كةلوكێ)، وفي وسط الباحة امام باب مزار(شيخ عدي) يوجد مكان يوضع فيه الشمعدان الذي تعلق عليه قناديل الزيت، على باب المعبد الكبير الخشبي المقوس من الأعلى يحتوي على صور مجسمة منحوتة على الحجر لطائر الطاؤوس كلمة طاؤوس تتكون من مقطعين تا-وس والتي تعني النور الوهاج فهي رمز للنور وجمال الطاؤوس يفوق جمال جميع الطيور فيشبهونه الايزيدیون بالملاك طاؤوس ملك وهو كبير ملائكتهم، فالطاؤوس لا يمثل تجسد لطائر الطاؤوس وانما هو صورة
رمزية فقط، ولا يجوز على الزائر ان يطأ عتبة الباب بقدمه وانما يعبرها، لان وضع القدم يعتبر حرما على كل أبواب مزارات المعبد ويتحمل فاعله ذنبا لان العتبة هي أساس المكان فهناك تضرب اول فاس من قبل البابا شيخ وانها الحد الفاصل بين الحياة الدينية والدنيوية، بعد تجاوز الباب هناك سلالم للنزول الى الأسفل توجد قاعة كبيرة تخرج منها رائحة الِقدم فأرضية المكان دبقة بسبب الزيت المحروق واضاءة خافتة الضوء فتوجد فتحات صغيرة يتخلل الضوء من خلالها مع انارة خفيفة جدا، وتوجد أعمدة حجرية كبيرة وصفاً من الاقواس وعدد الاعمدة سبعة (دلالة على الملائكة السبع)، وفي الغرفة المجاورة يوجد ضريح (الشيخ عدي) ويتخلل الجدار فتحته مربعة الشكل تقابل الضريح هذا مكان يوضع فيه نعش (الشيخ عدي) اثناء عيد الجماعية ومغطى بكسوة خضراء، وفوق الغرفة توجد قبب المزار الثلاث
.
ماهي (الجماعية) او (جەما شيخادي)؟
بتاريخ 13 تشرين الاول 2022 قرب جلسة البابا شيخ في معبد لالش في حوالي الساعة الثانية عشر بعد الظهر في اليوم الاخير من عيد الجماعية التقينا بالسيد (ديار) الذي كان شابا وسيماً يمتلك شاربا كثيف اسود اللون مع لحية خفيفة، وكان يرتدي قميص اسود مع سروال بلون رمادي داكن، ويضع على كتفه شماغ احمر اللون، كان في الثلاثين من عمره، اخبرنا: كلمة (جەما) كلمة عربية من الجماعية اي تجمع الايزيدية وليس هنالك اي تفسير ثاني لها، فبعد الإبادات التي تعرض لها الايزيدية على مدار السنين وفي إبادة ما حصلت آنذاك، رحل
جميع الايزيديين اربعين سنة عن معبدهم، وبعد مجي شيخادي او الشيخ ادي او الشيخ عدي(*)، اتى بالسر والنور والمعجزات، فبايعوه الناس وآمنوا به، بعدها دعى (الشيخ عدي) جميع الايزيدية من جميع انحاء العالم، وبالتحدث عن مناطق انتشار الايزيدية ذكر صباح كنجيفي مؤلفه (الايزيدية محاولة للبحث عن الجذور) مناطق انتشار الايزيدية حيث ذكر (توزعت الايزيدية بين الشرق والغرب، ابتداءً من سواحل لبنان وسوريا وفلسطين ومدن بعلبك والشام وحمص وصيدا والرافدين وبلاد فارس واليمن والبحرين مرورا بأقصى الجنوب الغربي في اسيا والهند والصين، ثم شمال افريقيا ابتداء من مصر وليبيا وقبائل الامازيغ غربا حيث الاغريق والرومان والجيرمان واثينا وقرطاجة وروما والعشرات من الجزر التي مازالت محتفظة برمزها ومنحوتاتها حتى الان بالأخص رمزية الشمس)(1)
وبالرجوع الى مقابلة السيد ديار الذي اكمل حديثه بان الشيخ ادي او الشيخ عدي أرسل رجالاً كمندوبين عنه ذهب قسم منهم الى بلاد هكاري(**) وبلاد الشام وغيرها من البلدان للحضور الى معبد لالش، وبعد حضورهم قام بتجديد جميع المراسيم وهذا لا يعني ان المراسيم لم تكن موجودة قبل مجيئه، نحن لان نؤمن بوجود سر ونور شيخ عدي في جسد واحد ولكن سره ونوره تكرر في ازمة كثيرة فالكرامة والسر واحد ولكن الاشخاص متعددون فمثلا الشيخ عدي الثاني(***) هو ليس نفسه الشيخ عدي الاول ولكنه يحمل سره ونوره ونحن نؤمن بالدور وليس بالشخص نفسه وقال يجب ان تقام جميع المراسم مرة اخرى مثلا مراسيم(الپەريات، قەپاغ، وبەرێ شباکێ ومراسيم طقس السما وغيرها من المراسيم) ليسنى لجميع الايزيدية مشاهدة المراسيم من جديد.
(*) عدي بن مسافر: وهو عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى (شيخ ادي او شيخادي) الشامي الزاهد الهكاري، ولد في قرية بيت فار في بعلبك، لبنان 1078 وانتقل الى جوار ربه 1161م. ينظر: زهير كاظم عبود، عدي بن مسافر مجدد الديانة الايزيدية، المؤسسة العربية للدار والنشر، بيروت، 2005، ص7.
شيخ ادي ليس بنبي ولا بمؤسس للديانة الايزيدية بل مجددها. ينظر: حسو هورمي، الفرمان الأخير، تقديم سعد سلوم، ط1، مؤسسة مسارات لبنان، 2016، ص36
(1) صباح كنجي، الايزيدية ... محاولة للبحث عن الجذور، دار طهران للنشر، ط1، 2021، ص 16
(**) الهكارية: وتعتبر من العشائر الايزيدية العريقة وتضم افخاذا كثيرة وهي منسوبة الى جبل هكار والذي يقع في المنطقة التي تقع بين شمال العراق شرقا وجنوب شرق تركيا وتعتبر مسقط راس الشيخ ادي الثاني الهكاري. ينظر: حسن خيرو مرزا بك، الايزيدية في العراق ودول الجوار: دراسة تاريخية، جامعة سانت كلمنتس العالمية للتعليم المفتوح، أطروحة دكتوراه، قسم التاريخ، 2020، ص25
(***) شيخ عدي الثاني: - هو صخر بن صخر بن مسافر الهكاري ويكنى بـ(ابي البركات) ابن اخ الشيخ ادي الأول ويلقب بالشيخ ادي الثاني. ينظر: عباس العزاوي، أصل الايزيدية وتاريخهم، مطبعة بغداد، 1935
وبحسب الپيشيمام فاروق(*) يبدا هذا العيد من تاريخ 6 تشرين الاول لغاية 13 من الشهر نفسه ليستمر بهذا لمدة 7 أيام، الرقم (7) يعدُ من الأرقام الطقسية فضلاً معناها العددي في الطقوس الدينية والفعاليات الاجتماعية وخاصة بين الشعوب القديمة، وفي الشرق الأوسط يعتبر الرقم (7 و 3) اكثر الأرقام شيوعا(1)، يتم تعميد (التخت) او النعش او (بەرێ شباكێ) في بحزاني حيث مكان حفظه لدى عائلة من الشيوخ الشمسانية في حقائب خاصة. انتقلنا الى معبد لالش رصد مراسيم استقبال التخت، شاهدنا الناس يتجهون باتجاه مدخل المعبد لاستقبال التخت، عند مزار (پرا عنزەل) وتسمى جسر السراط سار رجال الدين بخط مستقيم يتقدمهم حامل القنديل (جەقل تو) وبعدها داي كاباني حاملة طاوة البخور(**) والقوالين مع الدف والناي وخلفهم الفقير صاحب الخرقة حاملا اعمدة التخت الملفوف حولها الحبال المنسوجة من الصوف ذو اللون القرمزي والبابا شيخ مع البابا كافان يحملون حقائب حلقات التخت (البەرێ شباكێ) والپيشيمام يحمل العامود الاخر وبنقرات الدف البطيئة يدخلون الى (پرا عنزەل) والحضور كان كبيرا، بعد حضور الأمير ونقل البري شباكي الى مزار العين البيضاء، تفرق الجميع للتوجه الى مقراتهم التي اتخذوها مكان للمبيت فيه طيلة ايام العيد، في أيام الأعياد تتعرف العوائل على بعضها البعض وهناك يتم أيضا اختيار العرائس وكذلك يتم حضور الشخصيات السياسية بزيارة الأمير ليقوم بالتحدث معهم حول أمور الديانة فحضرت سفيرة النوايا الحسنة ناديا مراد وأيضا السفير الفرنسي وبالإضافة الى المحافظ وغيره من القادة السياسيين لان الأمير يمثل الايزيديين سياسياً في كل انحاء العالم فمركزه مركزي يتبعه جميع الايزيدية في كل دول العالم، ومن هنا تتداخل أهمية وظيفة العيد الدينية الى وظيفة اجتماعية وسياسية وهنا تتداخل الوظائف حسب منهجية مالينوفسكي، اخبرنا (المخبر)(2) فالح حسن(3) بان مراسيم تنصيب البريات سوف تتم باليوم الرابع.
اليوم الرابع من عيد الجماعية (تنصيب الپەريات)
(پەری سوار كرن) اي تنصيب الپەريات، في اليوم الرابع من عيد الجماعية (جەما شيخادي) بتاريخ 10 تشرين الاول 2022 في الساعة العاشرة صباحًا، وصلنا الى داخل المعبد اخبرنا (المخبر) قوال نصر(***) بأن نتوجه الى باحة مزار شيخادي
لكي نشاهد مراسيم تنصيب (الپەريات)، ففي هذه المناسبة يجلب الناس مسبقًا اقمشة الساتان الملونة ويبلغ طولها حوالي (2 – 3) م رغبة منهم بالحصول على البركة او ايفاء بنذر او شفاء احدهم من مرض بحسب اقوالهم، وعند مدخل جلسة البابا شيخ التي تقع في باحة المزار رجال الدين واقفين هناك البابا شيخ وعلى يمنية الپيشيمام نعمان والبابا كافان وامير الحج وخلفهم الاختيار وعدد من رجال الدين، وفي الجهة المقابلة يقف الكثير من الزائرين، بعد قليل حامل القنديل (جەقل تو) والداي كاباني تحمل طاوة البخور وبعدها القوالين ثلاثة يحملون الدف وثلاثة الناي المستمرين بالعزف بلحن سريع وبعدهم شخصان قد وضعا قماش الساتان فوق رؤوسهم والفرحة تملئ وجوههم وبعدهم الفقير خديدة وبعدها وقفو عند البابا شيخ لتتم المزايدة هناك على قطعة القماش ومن سوف ينول شرف وبركة الحصول عليها، زغاريد النساء لم تتوقف مع كل مرة يتم جلب ستارة جديدة فهناك سبع ستائر يرمز للملائكة السبعة وبعد ذلك يتوجهون الى اماكن وضع الستائر. عند اجراء مقابلتنا مع الپيشيمام فاروق أخبرنا: انا المسؤول عن توزيع (الپەريات) لان هذا من واجباتي فيجب ان يأخذ الاذن مني انا أسلم اقمشة الساتان التي تكون معمدة في (كانيا سپي) العين البيضاء.
شاهدنا الفقير خديدة التي كانت يحمل قطعة القماش خضراء اللون وبداخلها الخرقة المقدسة لمزار (شيخكو بكر) ولا يجوز اظهارها لقدسيتها فيجب تغطيتها بقطعة قماش اخرى وبعد استلامه من الپيشيمام فاروق الذي قام بتقبيلها ووضعها على جبينه قبل تسليمه نادى الفقير خديدة: يا ايها الايزيديين يا ايها الفقراء (يقصد اصحاب الخرقة) هذه ستارة شيخكو بكر فمن منكم يطمع بالحصول عليها له ولعائلته ويعمدها في مزار العين البيضاء ويضعها في جلسة شيخ عدي بعد ذلك قام الفقير خديدة بتقبيلها ووضعها على جبينه وبدا الناس بالتفاوض وبدأ الرجال بالمزايدة, (وهنا يدخل البعد الاقتصادي للعيد)، ان قطعة القماش لها دلالة رمزية بعيدة عن كونها قطعة من القماش فعند المزايدة والحصول عليها فان الشخص يشعر بتفاخر ويحصل على منزلة اجتماعية كبيرة بالإضافة للبركة ونجد مصداق ما ذكر عن كليفورد جيرتز عندما درس صراع الديكة في اندونيسيا حيث ان المنافسة التي تحدث بينهم ويضعون ويضعون رهاناتهم على الديكة ماهي الا وسيط رمزي
(*) البيشيمام: هي مرتبة دينية عالية في المجتمع الايزيدي الذي يحصل عليها شيخ من شيوخ الشيخ حسن ومن مهامه الارشاد لان تعاليم الديانة الايزيدية وضعت وطبقت في زمن الشيخ حسن او (شيخسن) كما يسمونه. فالمجتمع الايزيدي مقسم الى فئات تراتبية وفي كل فئة منها وحسب ضوابط معينة يتم تسليم اشخاص رتب معينة .
يتالف النظام التراتبي عند الديانة الايزيدية من الفئات الاتية:
1.الشيخ: ينحصر مشايخ الايزيدية في ثلاثة أصول (الادانية، الشمسانية، القاتانية) ولكل اسرة عمل خاص، اسرة الشيخ حسن مثلا وهي من الأصل الاداني بالقراءة والكتابة، واسرة الشيخ فخر وهي من الأصل الشمساني بمقام البابا شيخ ويمثل قدوة المشايخ في الاحكام الدينية ووظائفه هي الاحتفاظ بالسجادة الدينية التي تعود الى ملك فخر الدين وينظم اعمال الكواجك وتتم استشارته في كافة أمور الدين، ويكون منصبه حتى الممات. دجنا الشيخ مع فقرة البابا شيخ لأنها من نفس الفئة والتي تنحدر اصولهم من الشمسانية والادانية. ومن الرتب الدينية في هذه الفئة إضافة الى البابا شيخ (البيشيمام، البابا كافان، شيخ الوزير)
2.الأمير: من الأصل القاتاني في يديه السلطتين الدينية والدنيوية أوامره فرض على كل الايزيديين بلا معارض ولا منازع وهو من يضع مهر للنساء عند تزوجيهن وكل شي يتم بموافقته ولا تشتمل الحصانة له فقط وانما لجميع افراد عائلته ولا يجوز خلع الأمير او عزله إلا بالموت او القتل. في الكتاب قد وضع الكاتب الأمير مسبقا لكننا وضعناه بعد الشيخ لان فئة الامراء تنتمي الى الأصل القاتاني فالأمراء اصولهم شيوخ .ومن الرتب في هذه الفئة بالإضافة الى رتبة الأمير رتبة امير الحج.
3.البير: كلمة البير فارسية الأصل او كردية بمعنى (شيخ الطريقة) او رئيسها المسن، ويلون الشيوخ في مراتبهم الدينية البير هو مرشد الديانة وموجه الافراد نحو الواجبات الدينية ولكل بير جماعة من المريدين. ومن الرتب في هذه الفئة هي الجاويش الذي سنذكره لاحقا.
4.المريد: ربما كانت كلمة البقرة الحلوب احسن ما يوصف به المريدين فالمردة هم عوام الشعب يخضعون لأوامر رؤسائهم ويتقبلون اوامرهم دون مناقشة ولابد ان يكون لكل مريد شيخ وبير معاً والمردة يتزاوجون فيما بينهم ولا تحق لهم مصاهرة السلالات الأخرى. يجب علينا التنويه بان السلالات المذكورة تحت مسمة الشيخ والأمير يكون الزواج بينهم داخلي أيضا .
لقد ذكر الكاتب تصنيفات أخرى :
- الفقير: وهو الناسك المتزهد زهد في الدنيا ورغب بالآخرة طمعاً بخلدها، وللفقراء منزلة اجتماعية سامية، وهم صلحاء الديانة وذووا السيرة الحسنة وللفقراء لباس خاص يسمى (خرقة الفقير) وهي قطعة من القماش مصنوعة من الصوف الأسود مصبوغة بأوراق شجرة الزركوز يلبسها الفقير واذا مات فأنها تدفن معه ولا يجوز الاعتداء على صاحب الخرقة ولا يجوز الحلف كذبا بهذه الخرقة .
- القوال: القوال لغةً كثير القول وتطلق هذه الكلمة على مرتل الأناشيد الروحية، منحهم الشيخ عدي الانشاد لانهم كانوا مصاحبين له واقاموا على ولائه وخصهم الشيخ عدي بحفظ اسرار الديانة وانشاد الحوادث التاريخية، كما انهم يتباهون بجمع الاوساخ في نعبد لالش في ختام كل زيارة، ويعلمون أولادهم على ظرب الدفوف والعزف بالشبابات (الناي) ويلقونهم القصائد لينشئوا نشأة ابائهم، ولا يحلقون لحاهم.
-الكواجك: هم من عوام الايزيدية يتميزون بلباسهم الأبيض، وحزام صوفي اسود ويكتشفون مصائر الناس ان كان خيراً او شراً وكذلك الاتصال بعالم الغيب لمعرفة الاسرار .
-الچاويش: هو رجل دين أعزب يقيم في المرقد (معبد لالش) طوال حياته.
كانت هذه الفئات الأربع الأخيرة متداخله مع الفئات الرئيسية في الكاتب لكننا قمنا بفصلها لأنها فئات مشتقة من الفئات الاصلية او الرئيسية وتم الفصل والتعديل حسب معطيات البحث الميداني. ينظر: السيد عبد الرزاق الحسني، اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، مكتبة اليقظة العربية، ط11، بغداد، 1987، ص63-73.
(1) شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص 827
(*) حاملة طاوة البخور وهي (الداي كاباني) أي الام الطباخة فإنها ناسكة متعبدة تقوم بإعداد الطعام للمعبد وأيضا بتقدم رجال الدين حاملة طاوة البخور وهي من طبقة المريد.
(2) المخبر: شخص يعاون الباحث الميداني بالإجابة عن اسئلته لاستجلاء ما يصعب فهمه من حقائق غامضة تتعلق بها، ويتخذ الباحث أكثر من مخبر ليستفيد من تنوع خبراتهم وتخصصاتهم ويشترط في المخبر بان يكون ذا خبرة ومعرفة واسعة. ينظر: شاكر مصطفى سليم، موسوعة الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص 492
(3) السيد فالح حسن رجلٌ في العقد الخامس من عمره يعمل كمعلم اكاديمي إضافة الى معلم لمادة الدين الايزيدي
(***) قوال نصر حاجي في نهاية العقد الثالث من عمره يدرس العلوم السياسية و يعمل كأعلامي للمجلس الروحاني الايزيدي وكمقدم ومعد للكثير من البرامج عن الايزيدية
قد يخذلهم او يجلب لهم الفخر والزهو وليست مجرد رهان ومنافسة بين الرجال وانما لها وظيفية دينية تمكنه من اكساب راحة وطمأنينة نفسية وهذا يمثل الجانب الديني بالإضافة لاكتسابه منزلة اجتماعية في مجتمعه وهنا يكمن الجانب الاجتماعي (1), في كل مرة كانوا حامل القنديل وحاملة طاوة البخور والقوالين ومعهم البابا جاويش بالذهاب والاياب مع كل ستارة تجلب والقوالين مستمرين بالعزف على طول طريقهم، غادرنا المعبد لأخذ استراحة وللحضور اليوم الخامس التي سوف تقام فيه مراسيم (القاباغ).
اليوم الخامس مراسيم (القاباغ)
عند السؤال عن معنى هذه الكلمة اجابني (المخبر) حسين(*) بانها تتألف من مقطعين كا-باغ اي الثور الابيض او الثور السمين وفي هذه المناسبة يتم جلب ثور ابيض من حضيرة المعبد (گاي كوژ) ويجب ان يحرصوا ان يكون الثور متواجدا داخل الحضيرة لمدة (ثلاثة أشهر) وبذلك سوف يكون هائجا عند خروجه بيوم القاباغ تصعب السيطرة عليه ولعدم توافر ثور ابيض استبدلوه بثور اسود. وذكر الكاتب ممتاز حسين في كتابه (الايزيدية) حول هذا الموضوع: (في مطلع الخريف كان برج الثور يقابل الشمس لذلك يجب على الهه الشمس ان يقضي على الثور بنوره الوهاج وينهي موسم الجفاف ويبدا موسم الامطار، وان الثور حسب المفهوم الاغريقي يمثل شهر تشرين الاول في علم النجوم وهو نفسه الثور الذي كان يتم تقديمه الى اله (ابولو) اله الشمس ايضا هو نفسه الثور الذي كان يصارعه (ميترا) اله الشمس بنفس التوقيت الميزوبوتامي (تعني بلد النهرين بلاد ما بين النهرين، وان ذبح الثور لكي يجيئ الربيع وتنمو سنابل القمح وكروب العنب).
بتاريخ 11 تشرين الاول في الساعة العاشرة صباحا الذي صادف اليوم الخامس من عيد الجماعية وصلنا الى نقطة التفتيش لمعبد لالش لمشاهدة المراسيم سمعنا صوت عيارات نارية أخبرنا المتواجدين هناك في الخارج بانها اشارة لوصول العشائر الثلاث التي سوف تشارك في احياء هذا الطقس دون
غيرهم (القائدية والماموسية والترك) ويقال بانها اول القبائل التي بايعت الشيخ عدي ودافعت على معتقداته ولكن لم يتم تأكيد هذه المعلومة فالجميع يجهل السبب الحقيقي والله اعلم. عند دخولنا بناية المعبد رأينا المعبد مكتظ بالزائرين مع تواجد في كل بقعة في المكان وأيضا فوق السطوح التي تطل على الباحات وفوق كل صخرة عالية وفوق كل حافة جبل عالس لا بل حتى اضطر قسم من الشباب بان يتسلقوا الاشجار، اخبرتني احدى الزائرات: هيا بنا لنصعد فوق السطح المبنى لكي نرصد هناك الطقس بصورة واضحة رافقتها الى سطح البناية وجدنا الكثير من الناس قد سبقونا وبعدها اخبرتني: هيا نذهب الى الجهة الاخرى من السطح التي تطل على باحة المزار الداخلية، من هناك سوف يأتون بالثور من الحضيرة الفقير هو الذي يجلب الثور، ذهبنا الى الناحية الاخرى وجدنا الكثير من الرجال ممسكين بالثور الاسود الذي لم يكن يستطيع الحركة بسبب كثرة الرجال الممسكين به حامل القنديل وحاملة طاوة البخور والقوالين المستمرين بالعزف على طول طريق تنقل الثور، انتقلنا الى الجهة الاخرى التي تطل على باب مزار شيخ عدي الرئيسية كان الكثير يرتدي الملابس الفلكلورية والنساء قد اصطفوا على جانب الباب اليمين والرجال على اليسار بأعداد كبيرة والكثير من الحرس كان متواجدا هناك، لقد انتظرنا اكثر من ساعة ونصف والناس لم تكل ولم تمل من الانتظار ولم يتحرك احدا من مكانهُ، واخيرا فتح الباب الخشبي الكبير خرج رجال العشائر المشاركة مع رجال الدين ومعهم الثور وحامل القنديل وحاملة طاوة البخور والقوالين والعديد من الخلمتكارية وصعد عددا من رجال العشائر الثلاث الى الصخور التي تعلو سوق المعرفة (سوكا مەعریفەتێ) بعدها قاموا برمي العيارات النارية، ازداد التدافع بين الحاضرين اخذو الثور الى معبد شيشمس (إله الشمس)، وبعدها تم تشكيل سبع حلقات الدبكة الدينية (گوڤەند)، تشاركوا الناس بالدبكة الدينية وكانت ملامح الفرح على جميع الحضور الذين رجعوا لحياتهم وممارسه طقوسهم (وهنا ينمي الشعور بالتماسك
ووحدة الجماعة ليتحقق التكامل الوظيفي فيحقق درجة عالية ن التنظيم ووحدة القيم في الجماعة)(1) وهذا ما أشار اليه الباحث خالد الجابري في أطروحة الدكتوراه (الاستقرار والتغير الاجتماعي في المجتمع الايزيدي) سنة 1981 المقدمة الى معهد الانثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة أكسفورد باللغة الإنكليزية حيث كان يركز على هذا الطقس الاحتفالي ويفسره بان هناك داخل حلقة الرقص تسقط الفروقات الجندرية والفروقات التراتبية والاجتماعيةويتحد الجميع ويزاد تماسكه لينصهر كل شي تحت غطاء التعبد. وبعد انتهاء الدبكة قام الجميع بالتصفيق للإعلان عن انتهاء الطقس الديني، في الساعة الرابعة مساءا التقينا بالسيد (سليمان) مدير عام اوقاف الايزيديين وقدم لنا كرفان للمبيت فيه لتنجب عناء الطريق توجد كرفانات كثيرة امام سيطرة دخول معبد لالش تابعة لدائرة الاوقاف وأخبرنا بأن نرافقه الى الكرفانات ونمر بالسوق أخبرني: في هذه المناسبة يقوم الزائرين بنصب الخيم وفتح المطاعم وبيع الحاجيات تحت الخيم وإذا به يطرح سؤال هل شاهدتي السوق؟ اجبته لا لم اشاهد، اتجهنا خارج المزار لمشاهدة السوق تفاجئت بالسوق الكبيرة وكثرة تدفق الزائرين لتناول الطعام واقتناء الحاجيات، قابلت السيد فرهاد الذي كان يبيع تحت خيمته العصائر أخبرنا: في كل عيد انا افتح كشكي لأن الحضور كبير وهناك اشخاص كثيرون يستفادون من الحضور الكبير في هذا العيد ليعملوا من اجل جني المال، (وهنا أيضا تبرز الوظيفية الاقتصادية لهذا العيد) بعد قضاء ليلتنا في الكرفان لنستعد لحضور مراسيم اليوم السادس من العيد.
اليوم السادس (البەرێ شباكێ)
ما هو البەرێ شباكێ؟ اجابنا (المخبر) خالد علوكا(*): البەرێ شباكێ مصنوع من النحاس وهو تخت او عرش (شيخادي) الأول. ويعتقد بانه عرش( شيخ عدي) كان يجلس عليه
ويتكون من 80 حلقة وعمودين مشكلة بحبال من الصوف قرمزية اللون على شكل مستطيل وله اربع ماسكات على الأطراف ليشبه شكل التابوت الذي يحمل الميت(2) في مساء اليوم الخامس يتم تشكيل حلقات التخت ليحمله الأمير مع رجال الدين ليوضع في مكانه داخل مزار شيخ عدي مع ترتيل(**) اقوال التخت، بتاريخ 12 تشرين الأول في الساعة التاسعة صباحا، توجهنا نحو المعبد، اخبرنا احد المصورين بان أتوجه الى السطح كي اتمكن من رصد الطقس، وبعد التدافع مع النساء لصغر المكان، مع احتشاد جميع زوايا المكان بالزائرين، وفي داخل المزار يتم حضور رؤساء ووجهاء العشائر ليمثل رجل واحد عشيرته وليشارك في حمل التخت هذا بحسب امير الحج، قام البابا جاويش بفتح بركة الماء (كەلوكي) واحضر طشت من الالمنيوم ومعه اناء صغير ذهبي اللون وملئه بماء البركة، ابتدأت النساء بالزغاريد لأنها من أصوات الجنة ففي الجنة لا يوجد غير الفرح حسب اقوالهم، تواجد جميع رجال الدين من ضمنهم الأمير، في الداخل يتم رفع وانزال التخت ثلاث مرات في جوار مكانه في الجدار المجاور لضريحه لأنها ذكرى رحيل الشيخ عدي، وأخيرا خرج التخت بحلقاته البراقة الذي اختلط مع الصوف القرمزي ليعطي انعكاس شعاع الشمس الجميل وهو محمول على اكتاف الرجال ازدادت صرخات الحضور وزغاريد النساء بعد انتظار دام اكثر من ثلاث ساعات وازداد التدافع بين الحضور، تقدم الرجال بخطوات مهرولة نحو بركة الماء ليرش عليها البابا جاويش ماء البركة المقدسة (كانت هذه وصية الشيخ عدي بان يتم تعميد تخته مرة كل سنة) ورش البابا جاويش الحضور أيضا بالماء لتحل البركة على الجميع، يجب الإسراع في حمل التخت لتعميده وارجاعه بسهولة الى مكانه في رواق المزار لان أي خلل يحدث في توازن التخت اثناء حمله او وقوعه فانه نذير شؤم على جميع الايزيدية، تشكلت حلقات الرقص ليشارك فيها الجميع من ضمنهم الأمير جنباً الى جـنـب البابا شـيـخ وبــقـيـة رجـال الديـن، فـفي حـلقـات الـرقـص
([1]) شاكر مصطفى سليم، موسوعة الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص 417
(*) السيد خالد حسن خدر علوكا في الخمسينيات من عمره معلم متقاعد عضو في نقابة صحفي كردستان وعضو اتحاد صحفي نينوى له عدة بحوث ودراسات عن الايزيدية
(2) ممتاز حسين سليمان، الايزيدية، من منشورات الهيئة العليا لمركز لالش، - تسلسل24، 2013، ص173
(**) الترتيل: اقوال ملحنة تتضمن ابتهالات الى الإله او القوى فوق الطبيعية، ترتل طلبا للرحمة او تفريج عن كرب ويقوم رجل الدين بالترتيل في مناسبة دينية مع جو من الطقوس قد يصاحبها نقر الدفوف ومن الأمثلة الاذكار التي يقيمها الدراويش
الـجـمـاعي الـــذي يـعـتـبرنـه طـقـس ديـنـي ولـيـس رقـــص احـتـفـالـي لتذوب المكانات والفروقات وينصهر الجميع يكونون وحدة اجتماعية واحدة، وهذا يحقق طروحات النظرية الوظيفية يتحقق التماسك الاجتماعي وروح الجماعة، وهذا يشابه الرقص الجماهيري الذي بين الهنود الأمريكيين وسكان استراليا الأصليين وهو يعبر عن مشاعر الوحدة ويحقق أغراض منها التسلية والابتهاج والتقرب للمعبودات(1) انتهت مراسيم تعميد التخت، في المساء حيث ستبدأ مراسيم طقس السما، (السما) السماع باللغة العربية او صه ما: يقصد بها السماء(2) والسما كانت تؤدى في السماء من قبل الملائكة وعند دخول الروح لقالب ادم. وفي المساء مع بروز نجمات السماء الصافية تحشد الحضور في باحة مزار الشيخ عدي وبدأ القوالين بالترتيل ونقر الدفوف والنفخ في الشبابة (الناي) والقاء القصائد الدينية، وفي تمام الساعة السابعة مساءً طفئت الانوار ليبقى مصدر النور الوحيد هو الشمعدان حامل القناديل السبعة التي تشعل بزيت الزيتون، بدأ القوالين بلحن شجي يخترق جدار القلب ورائحة البخور والقنديل المحترق تعم المكان والكل في حالة صمت وترقب، خرج رجال الدين واولهم صاحب الخرقة السوداء الفقير ومن بعده رجال الدين ليشكلوا سبعة ازواج تبدي بمفرد هو الفقير وتنتهي بالجاويش، ليطوفو حول الشمعدان وهو يمثل الشمس، والدوران يكون كالاتي: مد الرجل اليمنى خطوة طويلة مع وضع اليد اليمنى على الكتف الايسر ثم ينحني ليتوقف ليسحب رجله اليسرى ماسحا الأرض وبحركة بطيئة مع سحب اليد اليمنى على الكتف الايسر، وهذا يمثل الخشوع والانحناء اما حركة مسح القدم اليسار فاخبرني (س)(*) بان الأرض كانت سائلة فجلب طائراً من الجنة حفنة من التراب لينثرها في المعبد وانه بسحبة الرجل اليسار من قبل الملائكة يتوزع التراب لتتجمد الأرض وتنسد الشقوق والفتحات، عدد الدورات التي يطوف بها رجال الدين سبع دورات، ويكون الدوران عكس عقارب الساعة وتتضمن 52 خطوة لتعبر عن عدد أسابيع السنة وعدد مرات التوقف 12 يمثل عدد اشهر السنة، وبهذا فانهم كانوا يعلمون بان الكواكب هي التي تدور والشمس ثابته، اكتملت الدورات السبع وبهذا انتهت المراسيم، في اليوم التالي السابع من الجماعية أيضا احتفل الناس جمعيا بالعيد وبهذا تنتهي مراسيم عيد الجماعية.
الخاتمة
تمخض التقصي الاثنوكرافي لجملة من المشاهد التعريفية لهذا المعبد وبما يحتويه من موجودات مادية مع تفصيل طرازه المعماري وكيفيات التفاعل معهما بعد ان تم الوصف المعمق لموقعه ايكولوجياً وقد شغلت الاعياد مساحةً من الاهتمام بوصفها طقوس لها وظائفها بمختلف الانماط والمستويات وهذا كان جوهر ورقتنا البحثية التي ارتكزت على دراسة أهمية هذا العيد (عيد الجماعية) واظهار الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية بالإضافة الى جانبه الديني بمنهجية مالينوفسكي الوظيفية, واهم ماشار اليه مالينوفسكي في منهجه الوظيفي هو ان أي ظاهرة او طقس اجتماعي اوديني يظهر في أي مجتمع ويستمر هذا يدعو الى دراسته للتعرف عليه عن قرب لمعرفة الجوانب الأخرى المرتبطة به بالإضافة الى أهميته بالنسبة لديانة مجتمع ما, فلا ظاهرة تستمر ما لم تكمن في داخلها جوانب مهمة ومؤثرة داخل المجتمع أدت الى استمرار هذه الظاهرة وهذا ما اكدنا علية عند دراستنا لمراسيم هذا العيد واهميته التي تكمن في تجديد المراسيم الدينية ليتسنى لجميع افراد الديانة مشاهدتها والتعرف عليها لتترسخ في ذهن افرادها لان الديانة كما هي معروفة لا تمتلك وثائق وسجلات تاريخية بل انها تلتزم بعلم الصدر وبالإضافة الى الجوانب الأخرى المتمحورة بهذا العيد كما اشرنا اليها .