كنتُ هواءً تكسّرتْ فيه الكلماتُ
قبل أن تُولد،
شفتيَّ طينٌ،
وفي فمِ الجبل
ثلاث صلوات لم تُتْلَ
البيوتُ الطينيةُ لا تسكنُ أحدًا،
إنّها أجسادٌ توضّأتْ بالعدم
تُسبّح دون حنجرة
تصوم عن الضوء
وتفطر على رماد المعنى
رأيتُ الطفلةَ التي أنكرها الضوء،
تستعيرُ ظلَّ أمّها
كأنّه جُبّةُ نبيّ نجا من سفرٍ لم يُكتب
رأيتها تُرضع الحجر
وتقول: "هذا لبنُ الغائبات
إذا ضاق الحليبُ بصدر القصيدة
وتحوّلت الزفرةُ الأولى إلى نايٍ ينتفُ أوتارَه بنفسه
شنكال؟
محرابُ طينٍ
صعدت فيه الأرواحُ بلا جسد
وانفتحتْ فيه السُّرّةُ
على سماءٍ مشقوقةٍ بالسكاكين
لم يُزهر التينُ في أيار
لأنّ الشمس غادرت دون وضوء
والعنب سقط على خاصرةِ سبية تحملُ وليدها في ضلعها
لا في رحمها
الذاكرةُ؟
قميصُ يوسف
بلا دم
الناياتُ تقرأ أسماء المغيّبات
لكنّها تنسى ثقوبها
فتبكي صمتًا لا يُصغي إليه أحد
الجبل؟
ليس جبلًا
إنّه ضفيرَةُ بنتٍ ذابت أغنيتها قبل أن يُبعث إيقاعُها
جدّةٌ تبحث عن "باران"
لا لتهتدي
بل لتُعيد للنسيان
اسمه الأوّل
أيّها التراب
أيّها اللازمن
الساكن في حافةِ الزمان
مَنْ سَرقَ أسماء البنات من ألواح الطين؟
مَن كَسَرَ الوحي في جدران البيوت
حتى صارت توابيتَ للحنين؟
مَن نفخَ في الخبزِ اليابس
فصار رمادًا يؤذّنُ لصلاةٍ بلا قبلة؟
السبايا الآن؟
يُنشدن قصائدَ مشقوقة
يتوضأنَ بالحبر
ويبعنَ آياتِهنّ للملائكة
يبتعن ظلًّا بقي على حبلِ التنّور
فستانًا من نار يرقص وحده في السجود الطويل للذاكرة. الجبل؟
كان آخر من نطق
قال: "كلُّ عنبةٍ قبلةٌ مفقودة
كلُّ تينةٍ دمعةٌ لم تأتِ
وكلُّ بيتٍ طينيّ إذا هُدم
خسرَ لغته
وتحوّل إلى سرٍّ يبحث عن نبيٍّ أخرس
وأنا؟
أنا البذرةُ التي لم يُقبلها التراب
حنجرةُ الطين السابحة في صمت الأزل
أنا ظلُّ الجبل حين يرتّلُ انكساره
ويصيرُ سبيةً تمشي حافيةً في سفر لم ينزل بعد.