الإصلاح في الديانة الإيزيدية : مواكبة العصر مع الحفاظ على الثوابت

خلف كرسافي


الديانة الإيزيدية هي واحدة من أقدم الديانات التوحيدية، وتتميز بثرائها الروحي والثقافي وتقاليدها العميقة الجذور. ومع ذلك، مثل أي دين أو مذهب، تواجه الإيزيدية تحديات العصر الحديث، مما يستدعي الحاجة إلى إصلاحات تدريجية تضمن بقاءها حية ومنفتحة، دون المساس بثوابتها الأساسية. في هذا المقال نناقش كيفية تحقيق إصلاح داخلي في المجتمع الإيزيدي، بحيث يصبح أكثر انفتاحًا وتفاعلًا مع العالم، مع الحفاظ على هويته الدينية والثقافية الفريدة. أهمية الإصلاح دون المساس بالثوابت , قبل الخوض في تفاصيل الإصلاح، من المهم التأكيد على أن أي تغيير يجب أن يحترم الثوابت الإيزيدية، مثل: - الإيمان بالإله الواحد (خودان) وملائكته السبعة، وعلى رأسهم طاووس ملك. - قدسية النصوص الدينية مثل "مصحف رش" و"الجلوة". - التمسك بالتراث الشفهي والتقاليد الموروثة. - النظام الاجتماعي والديني الذي يرتكز على الطبقات الروحية (المشيخة، البيرانية، والمريدية). الإصلاح لا يعني التخلي عن هذه الأسس، بل تطوير الجوانب الاجتماعية والتعليمية والقانونية لتتلاءم مع متطلبات العصر. مجالات الإصلاح المطلوبة في المجتمع الإيزيدي :

  1. الإصلاح التعليمي والثقافي, أحد أكبر التحديات التي تواجه الإيزيدية هو نقص التعليم الديني والحديث بين أبنائها. كثير من الشباب الإيزيدي لا يعرفون تفاصيل دينهم إلا من خلال الروايات الشفهية، مما يجعلهم عرضة للتأثر بالأفكار الخارجية أو حتى الانحراف عن الجوهر الحقيقي للديانة. لذلك، من الضروري: تأسيس مدارس ديـنية إيـزيديـة, تُـدرّس الـعـقـيـدة بـشكل منهجي مع الانفتاح على العلوم الحديثة. توثيق التراث الإيزيدي كتابيًا وإلكترونيًا لحمايته من الاندثار. تشجيع الحوار بين الأجيال لنقل المعرفة من الشيوخ إلى الشباب بطريقة عصرية.
  2. الإصلاح الاجتماعي والانفتاح على الآخر, المجتمع الإيزيدي تقليديًا مغلق نسبيًا بسبب الظروف التاريخية التي مر بها، مثل الاضطهاد والمحاولات المستمرة لطمس هويته. لكن الانغلاق الزائد قد يعيق تطور المجتمع. لذلك، من المهم : تشجيع الحوار بين الأديان والتعريف بالإيزيدية كديانة توحيدية تحترم الآخر. تحديث النظام الاجتماعي الداخلي مثل تقليل التمييز الطبقي غير المبرر دينيًا ( مع الحفاظ على النظام الروحي الأساسي). تـمكـين الـمـرأة الإيـزيـديـة وتـعـلــيمـها ودعم مشاركتها في الحياة العامة دون المساس بالتعاليم الدينية.
  3.  الإصلاح القانـوني والـديـنـي, بـعـض الـعـادات الاجـتـمـاعية في المجتمع الإيزيدي تحتاج إلى مراجعة، خاصة تلك التي لا تستند إلى نص ديني واضح، مثل: تطوير النظام القضائي الداخلي (أحكام المشيخة) ليكون أكثر شفافية وعدالة، مع احترام القوانين المدنية للدول التي يعيش فيها الإيزيديون.
  4. مواكبة التكنولوجيا والإعلام, العالم اليوم يعتمد على التكنولوجيا، والإيزيديون بحاجة إلى إنشاء منصات إعلامية إيزيدية لنشر التعاليم الصحيحة ومحاربة الشائعات. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي الديني والثقافي. إنتاج أفلام ووثائقيات تشرح حقيقة الديانة الإيزيدية للعالم. كيفية تحقيق الإصلاح دون صدام مع التقليد أي إصلاح يجب أن يتم بشكل تدريجي وبموافقة المرجعيات الدينية الإيزيدية، مثل عقد مؤتمرات حوارية بين رجال الدين والعلماء والمثقفين الإيزيديين. إشراك الشباب في عملية الإصلاح، لأنهم الأكثر تأثرًا بالتغييرات العالمية. الابتعاد عن التغييرات الجذرية التي قد تسبب انقسامًا، والاعتماد على الإصلاح التدريجي المدروس. خاتمة: الإصلاح في الديانة الإيزيدية ليس تهديدًا للهوية، بل ضرورة لضمان استمراريتها في عالم متغير. المطلوب هو موازنة بين الحفاظ على الثوابت الدينية والتكيف مع مستجدات العصر. بإمكان الإيزيدية أن تكون ديانة منفتحة، متسامحة، ومتفاعلة مع العالم، دون أن تفقد جوهرها الروحي والتاريخي. الخطوة الأولى تبدأ بالحوار الداخلي، ثم الانتقال إلى حوار خارجي يعرّف العالم بالإيزيدية كديانة سلام وتعايش، قادرة على أن تكون جزءًا من المستقبل دون أن تتخلى عن ماضيها المجيد.