عندما انضممت إلى هذهِ المجموعة الإيزيدية المخلصة، التي تضم أكاديميين، كتّاباً، صحفيين، ورجال أعمال، وجدت نفسي أمام بيئة خصبة للنقاش وتبادل الأفكار. ومنذ اللحظة الأولى، أدركت القيمة العظيمة لهذا المشروع وما يحمله من آمال وطموحات.
ورغم اختلاف وجهات النظر بيننا، إلا أن ما يميّز هذه التجربة هو الاحترام المتبادل وتقبّل الرأي الآخر من قبل الزملاء في اللجنة التحضيرية، وأعترف أنني في بعض الأحيان كنت مندفعاً بحماس، لكن التفاهم بين الزملاء كان الدافع الأساسي لتنشيط الأفكار المطروحة، وقد ساهم في نجاح هذا الحوار الجماعي الذي يسعى لتوحيد رؤية الإيزيديين قبل كل شيء.
في هذا السياق، تحضرنا أفكار الفيلسوف الألماني هانس-جورج غادامير، لا سيّما ما طرحه في كتابه "الحقيقة والمنهج" (Wahrheit und Methode)، حيث يؤكّد أن الحوار الحقيقي لا يقوم على فرض الآراء، بل على الاستعداد لفهم الآخر والتفاعل معه، فالمعنى لا يُولد إلا في فضاء المشاركة، وهذا ما لمسناه بوضوح في تجربتنا داخل اللجنة التحضيرية، والذي على ضوئه قُبلت دعوات كثيرة للانضمام إلى هذه المجموعة الواعية، من أناس لهم مكانتهم الأكاديمية، ويمتلكون طاقات شبابية مؤمنة بفكرة هذا الحوار.
ولا نخفي أنه في البداية قد طُرحت أفكار كثيرة، بعضها قوبل بالرفض، وبعضها الآخر تم قبوله، بعد دراسة وتقييم لواقع المجتمع الإيزيدي وإمكاناتنا الفعلية، إذ كنا حريصين على تقديم وعود واقعية، بعيدة عن المبالغات، وركّزنا على الشفافية والوضوح في كل ما طرحناه من بيانات ومقابلات منذ البداية.
الهدوء، والصبر، والعقلانية كانت سمات رئيسية في هذا المسار، وساهمت في كسب دعم وثقة الكثيرين ممن كانوا بعيدين عن الغايات الشخصية، ورغم الانتقادات من بعض الذين لم يتفهّموا بعد أسلوب الحوار، أو اعتقدوا بوجود دوافع شخصية أو مصالح خفية، إلا أن الأهم هو أن الأغلبية من النخبة الواعية كانت متفقة على جوهر المشروع وأهدافه.
وعليه، فقد انسجمنا عملياً مع رؤية (غادامير) حين اعتبر أن الحوار ليس مجرد وسيلة، بل غاية بحد ذاته، وطريق إنساني للوصول إلى حقيقة مشتركة تتجاوز الحقيقة الفردية.
ونحن متفقون على أن الحوار هو وسيلة أساسية لمعالجة قضايا الإيزيديين، ويحتاج إلى تضافر جهد الجميع، بل لا يهم من أين ينطلق الإنسان أو ما خلفيته، ما دام يحمل نية صادقة لخدمة المجتمع، فمن يؤمن بروح هذا المشروع، حتماً سيجد نفسه جزءاً منه، لأنه ببساطة هو طريق لتحقيق غايات الإيزيديين المخلصين، لا غيرهم.