إن العديد من المعتقدات والتقاليد التي تُعتبر اليوم، بنظر البعض (من ثوابت الدين الإيزيدي)، هي في الحقيقة نتاج ظروف اجتماعية وسياسية طارئة، في فترات زمنية مختلفة، وليست بالضرورة انعكاساً لأصول الدين الإيزيدي في نقائه التاريخي، ومن بين هذه البُنى المؤسّسة التي نُظر إليها لاحقاً كركيزة دينية ثابتة، يبرز (المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى) ككيان تمّ تأسيسه سنة 1932م، في سياق تدخل سلطات الانتداب البريطاني في العراق.
ووفقاً للمصادر التاريخية، فإن هذا المجلس لم ينشأ استجابةً لحاجة دينية داخلية بقدر ما كان استجابةً لمطلب حكومي يهدف إلى ضبط التنوع الديني بالدولة العراقية في عام 1928م، عبر تأسيس مجالس "روحانية" تُمثل الطوائف دينياً وإدارياً، كما حدث مع الطوائف الإسلامية والمسيحية واليهودية وغيرها. وقد جاء هذا التأسيس متأخراً بعد عدة محاولات فاشلة، نتيجةً للخلافات الداخلية، خصوصاً بين ميان خاتون "والدة الأمير الراحل سعيد علي بك" وشقيقها إسماعيل جول بك، مما أرجأ قيام المجلس إلى حين تمكنت ميان خاتون من تأسيسه بدعم حكومي في عام 1932م، لكن على نحوٍ إقصائي لم يُمثّل فيه كافة الأطراف، خاصة أنصار إسماعيل جول بك في شنگال.
إن النظر إلى هذا المجلس بصفته الممثل الأعلى للإيزيديين في العراق والعالم، يتطلب وقفةً نقدية، ليس من منطلق التشكيك في شرعيته، بل من باب الدعوة إلى المراجعة والنقد الذاتي المؤسسي (الانعكاسية السوسيولوجية)، وهو المفهوم الذي طرحه عالم الاجتماع بيير بورديو، حيث يرى أن المؤسسات لا تنشأ في فراغ، بل في سياق توزيع غير متكافئ للسلطة والرموز، ما يجعل من إعادة النظر فيها ضرورةً مستمرة لضمان توازنها مع تحوّلات المجتمع.
وعليه، فإن الحديث عن (روحانية) المجلس يجب أن يُعيد الاعتبار لأصحاب الصفة الروحانية الحقيقيين من مختلف الجغرافيات الإيزيدية، وعلى سبيل المثال، سادن مزار (شرف الدين)، وكبير فقراء شنگال، ورجل الدين الإيزيدي المعروف پير ديما، وكذلك رجال دين آخرين من سوريا وتركيا وسائر الشتات، لأن الأيزيديون لم يعودوا منغلقين على جغرافيا واحدة، بل أصبحوا كياناً متعدد الثقافات والخبرات والمعاناة، ويستحيل لأي مجلس محلي أن يحتكر تمثيل هذه التعددية.
ومن هنا، تنبع الضرورة الأخلاقية والتنظيمية لتوسعة المجلس الروحاني، سواء من خلال إعادة هيكلته ليشمل ممثلين روحانيين من مختلف المناطق، أو إضافة أعضاء من الجغرافيات الإيزيدية المختلفة، أو بتغيير اسمه ليعكس طابعه المحلي، كأن يُسمّى "المجلس الروحاني الإيزيدي في ولات شيخ"، وبما يحفظ مكانته الرمزية دون فرضها كممثل أوحد للإيزيديين كافة، وإلا فإنه سيفقد احترامه رويداً رويداً بين الأيزيديين عموماً.
لأن تمثيل المجتمع لا يكون فاعلاً إلا إذا استند إلى مبدأ المشاركة، والاعتراف بتعدّدية الثقافات والانتماءات داخل المجتمع الإيزيدي ككل، وأما الانغلاق، فسيعيد إنتاج الإقصاء التاريخي الذي تأسّس عليه المجلس نفسه، ودعوتُنا اليوم ليست هدماً للمؤسسة، بل إصلاحاً يتناغم مع روح العصر، ويُعيد بناء الجسور بين أبناء الدين الواحد على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف المتكافئ.