إصلاح شأننا المجتمعي، والحوار الإيزيدي حقائق ناهضة، لظنون غائمة (الحلقة الثالثة والعشرون)

دلشاد نعمان فرحان


تُعدّ مسألة تزاوج (أپیار هسلممان) مع الأپيار الأخرى، من أبرز القضايا الاجتماعية والدينية التي تستوجب الوقوف عندها بجدية ومسؤولية، فاستمرار الحظر غير المعلن (أو بالأحرى المفهوم الخاطئ) حول الزواج بين أپیار هسلممان وبعض العوائل من الأپيار كـ(هاجيال، هسنالكا، پير بوال، مهمدي ربن، أومر خالا، ألوبكر، پير بوك، وسيني بحري)، قد كرّس قناعة خاطئة لدى البعض بأن هذا الزواج محرَّم، بل وذهب بعضهم إلى اعتباره من ثوابت العقيدة الإيزيدية، وهو زعم لا أساس له من الصحة، فهم من نفس الطبقة الدينية (الأپيار).
فقد واجهت عائلة أپیار هسلممان عبر العقود تحديات اجتماعية قاسية، كانت نتيجة مباشرة للجهل من جهة، وللنظرة الأحادية والأنانية من قبل بعض أبناء العوائل الأخرى المذكورة آنفاً، وللأسف، روجت هذه الفئة لفكرة مغلوطة مفادها أن الزواج مع عائلة أپیار هسلممان محرم، وهو وهمٌ استقر في الأذهان دون أي دليل شرعي أو تاريخي، ما تسبب في معاناة اجتماعية حقيقية لأبناء هذه العائلة، وانعكس سلباً على حقهم الإنساني والديني في تأسيس أسر مستقرة. 
إزاء هذا الواقع، لم يبقَ المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى صامتاً، بل اتخذ في عام 1968 خطوة مهمة بإصدار بيان واضح يجيز فيه الزواج بين أپیار هسلممان  وأپیار هسنالكا، غير أن هذا القرار أُجهض نتيجة اعتراض بعض الأفراد الذين فرضوا رؤيتهم الخاصة على المجتمع دون مشروعية، فتوقفت بذلك مساعي الإصلاح آنذاك.
وفي مرحلة لاحقة، وتحديداً في عام 2017، أُجري استبيان شمل نحو 500 شخص من مختلف شرائح المجتمع الإيزيدي، أظهر فيها أن ما نسبته 93.5% من المشاركين أيدوا صراحةً جواز زواج أپیار هسلممان من عائلات  الأپيار الأخرى، لا سيما وهم من نفس الطبقة الدينية، وقد عبّر بعض أبناء عائلتي هاجيال وپير بوال صراحة عن استعدادهم التام لتزويج بناتهم لأبناء أپیار هسلممان فور صدور موافقة رسمية من المجلس الروحاني، إلا أن هذه المبادرة أيضًا تعثرت بسبب تدخل غير مسؤول من ثلاثة أو أربعة أشخاص لا يمثلون اية مكانة دينية او عشائرية، بل سعى بعضهم لإثارة الفوضى خلال الاجتماع المخصص لإقرار القرار.
ولعلّ المؤسف في الأمر، أن المعترضين أنفسهم، لو كان القرار يخص أبناءهم، لما اتخذوا هذا الموقف إطلاقاً، بل لكانوا من أوائل الداعين لتمريره، وهذهِ الازدواجية والأنانية هما ما حالا دون التوصل إلى حلّ عادل، وإننا نؤمن، بل نجزم، أنه لو أُتيح المجال لجميع أبناء الديانة الإيزيدية للمشاركة في هذا الاستفتاء، لكانت نسبة الرافضين أقل من 001%..
ومن هنا، لا يمكن ولا ينبغي أن تبقى الغالبية الصامتة رهينة لجهل البعض أو لتشدد غير مبرر، فقد آن الأوان لأن يتخذ المجلس الروحاني ورجال الدين، والنخب المثقفة والعشائرية المخلصة لإيزيديتها، خطوة شجاعة ومسؤولة تُعيد الحق لأهله، وتنهي هذه المعضلة المؤرقة، بما ينسجم مع جوهر الديانة الإيزيدية القائمة على التسامح، والعدالة، واحترام كرامة الإنسان.