أحلام إيزيدية تحت ظلال الإبادة بعد ١١ عامًا!

دلشاد نعمان فرحان


في أحشاء الزمن الذي يلتهم الأحلام كما يلتهم الجوع جسداً نحيلاً، كنا ننسج من خيوط اليوميات نسيجاً من الأمل الجميل، نتقدم خطوة خطوة نحو مستقبل يلمع كالذهب في أعماق المناجم المظلمة.
كنا نتأقلم مع عواصف الحياة، نعثر وننهض، وفي كل انتصار صغير ينبت من تربة التعثر، كنا نشعر بفخر يغمر الروح كالخمر العتيقة، بطمأنينة تذيب القلق كالشمس التي تذيب الثلج، بلذة الحياة التي تتغلب على مرارتها كالورد الذي ينبت بين الأشواك.
وما كنا نبالي بالتهميش المتعمد الذي يحيط بنا كالظلال الثقيلة، ولا بالتمييز الذي يسقط علينا من أعين الأغلبية كالمطر الحمضي، طالما بقي بيننا من ينصفنا كالنجم الذي يضيء في ليل دامس، ولا حتى بصعوبة الحصول على لقمة العيش، ما دمنا نتنفس سلاماً يشبه هدوء البحر قبل العاصفة.
فكيف لا نشكر هذه الحياة المتقلبة، وهذا الزمان الغادر، ونحن أحفاد الإبادات التي رسخت في أعماق الروح الإيزيدية ثقافة الموت كالوشم على الجلد، ثقافة الخوف الذي يجعل المرء يخشى على أحبائه قبل نفسه، كالأم التي تحمي صغارها من الذئاب قبل أن تحمي جسدها؟ ولم نكن نتوقع أن تعيد تلك الذكريات الدامية حياتنا إلى الصفر، كالرياح التي تهدم البيت الذي بني حجراً حجراً على مدى عقود.
الإبادة الإيزيدية لم تقتل بضعة آلاف من الأجساد فحسب، بل قتلت الحياة في من بقي يعيش ميتاً، يتنفس هواءً مليئاً بالأشباح، لاسيما والدماء ما زالت تسيل في الذاكرة كالأنهار الملوثة.

أعلم أن الإيزيديين، برغم مأساتهم، سينالون ما يسعون إليه، كالنهر الذي يجد طريقه إلى البحر رغم الصخور، وأنه لولا عديمي البصيرة الذين يزرعون التفرقة بين أبناء المجتمع الواحد كالبذور السامة، لتحقق ذلك في زمن أقصر بكثير، كالبرق الذي يضيء السماء في لحظة، لكنني أخشى أن يمنحهم التاريخ موقعاً وقيمةً أكبر من حقهم، فيصبحون أبطالاً زائفين مدونين في صفحاته دون وجه حق، كالأساطير التي تكبر مع الزمن حتى تبتلع الحقيقة.
فالحياة شهوة لا تنتهي، لكنها في أحشاء الإبادة تتحول إلى سُكْر يذيب الروح! والتاريخ، ذلك الوحش الجشع، يأكل الأبطال الحقيقيين ويبصق أشباحاً من الوهم، ومن يعيش في ظل الإبادة، ويستوعب حجم الاضطهاد، حتماً يدرك أن السلام ليس هديةً، بل كنزاً يُسرق! والفخر ليس تاجاً، بل جرحاً ينزف دماً أحمر، لأن الإنسان الذي ينهض من رماد إبادته كالطائر الفينيق، يخشى ألا يصبح رماداً آخر في يد التاريخ الغادر.