في حضرة الخراب تُنسى سنجار وفي بلاط السياسة تٌتوج حلبجة!
سنجار المصلوبة على حدود المصالح لا بغداد أنصفتها ولا اربيل أحتضنتها!
فاحلبجة ترفع الى المجد وسنجار لا تجد نفسها في خرائطهم!
حلبجة تٌكرم وسنجار تٌهان!
حلبجة للعرض وسنجار للنسيان!
في خطاب الدولة تُعرض حلبجة في الواجهة وتُدفن سنجار في الظل!
في هذا الوطن المتصدع تُعلن حلبجة محافظةً عراقية رسمية,ولا أحد يعترض على استحقاق المدينة التي ذاقت غاز الخردل وأبخرة الموت,بل يستحق أهلها الأحترام والتكريم والإنصاف,بينما ترفع لافتات الفرح في هذة المدينة,تبقى سنجار مدينة الإبادة والمقابر الجماعية خارج أطار الأعتراف,كأنها وُجدت فقط لتُباد لا لتُكرم! تترك مطمورة تحت أنقاض الخراب ووطأة الخذلان وخلف ستار مصارعة الصفقات الحزبية, وتدفن قضيتها في حفرة التوافقات بدون عدالة وانصاف ,دون ان تجد لها مكاناً في خرائط بغداد واربيل! السؤال الصارخ؟ لماذا تُمنح حلبجة صفة المحافظة,بينما تُحرم سنجار منها؟ أليس في هذا أختزال للإنسانية بمنطق الولائات,وتسيس للدماء بحسب الجغرافيا والإنتماء؟هل دماء ضحايا السلاح الكيماوي أقدس من دماء الإيزيديين الذين سُبوا وقُتلوا وجُردوا من كرامتهم؟أم الدولة العراقية باتت تفرق بين الضحايا على أساس المصلحة السياسية؟وبهذا يكشف عمق التمييز السياسي الذي يطال سنجار وأهلها الإيزيديين,الذين ما زالوا رهائن للتجاذبات بين بغداد واربيل!
لماذا تُعامل سنجار كقضية مؤجلة,وكأنها عبئ سياسي لا يستحق الحل؟
المأساة هنا ليست في عدم تحويل سنجار الى محافظة,بل في معنى هذا التأجيل والأمتناع وإنكار للحقوق وتنصل من المسؤولية وتحقير لضحايا الإبادة الجماعية وتكريس لنهج يوزع الإنصاف على أساس الولاء السياسي لا على قياس العدالة!
لماذا لم تُعلن سنجار محافظة حتى الأن أليس ذلك أعتراف صريح بأن الآم بعض الضحايا قابلة للتسيس ,بينما تختزل مأسي أخرين في بيانات التضامن ووعود الإعمار المؤجلة منذ 11 عاماً؟ اليس من الإنصاف أن تكون سنجار التي فقدت اللآلآف من أبنائها وبناتها,محافظة تدار بشفافية وخصوصية تنسجم مع طابعها المجتمعي واحتياجاتها الأساسية الضرورية؟
مدينة حلبجة تستحق بلا شك هذا التكريم ولكن ماذا عن سنجار ؟؟كيف لهذة الجمهورية أن تحتفل بحلبجة وتغض الطرف عن دماء سنجار؟ كيف يمكن ان يتم تكريم مدينة مرت بتلك المأساة, في حين تٌحرم مدينة اخرى من أبسط حقوقها في الأعمار والعدالة والأستحقاق؟الأحزاب الكردية لا تعي شيئاً عن معاناة سنجار حيث تذكر فقط في السياقات السياسية الضيقة بما يتعلق بمصالحهم الخاصة,تاركةً ألآم اهلها مجرد ارقام على الهامش,سنجار بالنسبة لهم ليست اكثر من نقطة في معادلاتهم الحزبية والسياسية والأنتخابية! تذكر حينما تخدمهم وتُنسى حينما لا تلائم تطلعاتهم!!والحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن يمثلون الإيزيديين عبر أجنحتهُ أول من تواطأ في هذا التهميش,في تحويلهم للمدينة للعبة سياسية بحتة تهدف وراء مكاسب سياسية في أربيل وبغداد! فهذا الحزب سلطة تبتلع الهامش وتُقصي الضعفاء ,وتمادى في استغلال سنجار كورقة تفاوض لا اكثر,لا يرى فيها سوى شبراً جغرافياً يخدم طموحاته,أما سكانها فهم عبيء لا يطاق ما داموا يرفضون الأنصهار في مشاريعهُ,أن سنجار وما تمثلهُ من رمزية تاريخية وانسانية لم تكن يوماً ضمن اوليات هذا الحزب,ولم تكن الا موقعاً جغرافياً في لعبة النفوذ يريدها خالية من اي صوت مختلف,ولهذا كان الخيار دائماً التهميش او الترويض!
في قلب هذة المعركة السياسية يبرز الصمت الإيزيدي الوجع الأخر في سلة التجاهل الغائب قسراً بصمتا ًمفروضاً,مخزونا ًداخلهُ الاماً مريرة, فأهم يجدون انفسهم غير قادرين على اعلاء صوتهم في مواجهة السياسات المتخاذلة,صمتاً ثمرة سنوات من التهميش والإقصاء,فاصبحوا مجرد رقم في حسابات الحكومات والأحزاب!ومحاصر بنواب ايزيديين متحزبين وقوميين لا يملكون من الشجاعة ما يكفي لمواجهة هذا الظلم,يلوذون بالصمت أو التبرير,بينما مدينتهم تٌعامل كمستعمرة سياسية خارج الحماية والعدالة!
والحكومة العراقية دولة تدير ظهرها للضحايا ومنذ سقوط سنجار وحتى اليوم لم تُظهر بغداد الا كدولة غائبة,ولم تتحرك كحكومة مسؤولة عن رعاياها,بل كجهاز اداري بطيء يتعامل مع فاجعة الإبادة وكأنها حادث سير هامشي,الأعتراف بالإبادة لن يترجم الى مشروع قانون,ولا الى اعادة اعمار,ولا الى عودة أمنة ولا قوانين تعيد الحقوق ولا الى لجان تعمل على انصاف الضحايا,وكأن الدولة العراقية تنظر الى الإيزيديين بأعتباربهم خارج سياق المواطنة الكاملة!!! بغداد لا تتعامل مع سنجار كمدينة نجت من إبادة بل كملف حساس لا تريد فتحه,فهي لا تخشى اغضاب الفصائل والمليشيات وتتحاشى الحديث عن جرائم القوى المتصارعة على الأرض وتدفن رأسها في الرمال كلما تعلق الأمر بملف من يحكم سنجار كأن مصير عشرات الالاف من البشر لعبة محاصصة,لقد ضاعت سنجار بين خرائط بغداد واربيل,وبين حسابات الأحزاب الكردية وبين حكومة عراقية لا ترى في الدم الإيزيدي قيمة تٌقارن بثقل المعادلات الطائفية والمناطقية!!!الفرق الوحيد بين حلبجة وسنجار ؟ليس حجم الكارثة ولا عمق المأساة فكلا المدينتين نُحرتا من الوريد للوريد,الفرق أن حلبجة تنتمي الى فضاء سياسي مستقر,بينما سنجار غارقة في الوحل الطائفي,تتنازعها بغداد وأربيل كما تتنازع الضباع ما تبقى من جسدٍ ممزق!
وأن تمرير ملف حلبجة مقابل تجاهل ملف سنجار يفضح عمق الأنقسام في ادارة الدولة العراقية ويكرس فكرة أن العدالة ليست حقاً,بل صفقة فإذا كانت الدولة عاجزة عن الأعتراف بسنجار محافظة,فهي عاجزة عن الأعتراف بمسؤوليتها الأخلاقية اتجاه أحد أبشع الفصول في تاريخها المعاصر,ليست المسألة حدود أدارية بل أعتراف بالكرامة وضمان للعدالة وخطوة نحو الأنصاف التاريخي,مالم ترفع هذة الأزواجية في المعايير ,سيبقى جرح سنجار مفتوحاً,ليس فقط في جسدها الجغرافي بل في ضمير العراق كلهُ,سنجار لا تطلب صدقة,بل تطلب حقاً,المحافظة ليست جائزة بل واجب سياسي واخلافي اتجاه منطقة دُمرت بالكامل وتعيش على انقاضها جماعة نُحرت وجودياً,انها صرخة ضد تقاعس بغداد وازدواجية هولير,
الدولة التي لا تعترف بسنجار محافظةً هي دولة فقدت بوصلتها الأخلاقية,والطبقة السياسية التي تساوم على الآم الإيزيديين,لا تمثل إلا عمق الخراب الذي يأكل ما تبقى من الوطن,أن سنجار ليست ضحية داعش فقط,بل أيضاً ضحية دولة عاجزة عن احتضانها وقوى متصارعة تتقاسمها كغنيمة,وإن لم يكن الأن الوقت في أنصاف سنجار فمتى؟ وماذا تبقى من مفهوم الوطن حين يتحول الأعتراف الى أمتياز لا الى حق؟إن لم تُنصَف سنجار عاجلاً؟فكل اعتراف سواه يصبح مسرحية سياسية فاسدة.
فوق كل هذة الجبال من الآم وجرم السياسة والأحزاب لكن سنجار باقية باسقة بصمتها الصلب،وبدموع أمهاتها، بقبور بناتها، وبذاكرتها التي ترفض أن تُمحى,وستظل تصرخ في وجه الذين يفرقون بين ضحاياهم, .الذين يرفعون مدينة على المنصة، ويدفنون أخرى كي لا تُحرجهم الحقيقة.