إصلاح شأننا المجتمعي، والحوار الإيزيدي إصلاح الهوية، انفتاح القضية (الحلقة العاشرة)

دلشاد نعمان فرحان


 

إن المجتمعات التقليدية، وخصوصاً تلك التي لم تشهد تحولاً بنيوياً عميقاً في مؤسساتها الثقافية والاجتماعية، غالباً ما تقع فريسةً لصراعات داخلية بين المحافظة والتجديد، ويُعدّ المجتمع الإيزيدي نموذجاً حيّاً لهذا المجتمع ولذلك يشتد فيه الصراع، حيث تقف العادات والتقاليد، لا سيما تلك التي لا تستند إلى أسس دينية واضحة، كقوى محافظة تُستخدم أحياناً من قبل بعض رجال الدين والمتنفذين كوسائل لضبط السلوك الجمعي وتوجيهه نحو غايات قد لا تمتّ بصلة إلى المصلحة العامة أو روح الدين الإيزيدي.

فمن منظور سوسيولوجي، يمكن تحليل هذا الواقع من خلال نظرية "الهيمنة الثقافية" كما صاغها (أنطونيو غرامشي) والتي تشير إلى أن الطبقات المهيمنة في المجتمع لا تفرض سلطتها بالقوة فحسب، بل من خلال السيطرة على الثقافة والعقيدة الفكرية (الإيديولوجيا)، وفي السياق الإيزيدي، تتجلّى هذه الهيمنة في استخدام الخطاب الديني لتثبيت عادات أصبحت عبئاً على الهوية الجماعية، وتتناقض مع مبادئ التعددية والانفتاح التي تتطلبها المرحلة الراهنة. وهي ليست من صلب الدين بشيء.

ففي زمن العولمة، لم تعد الهوية الثقافية منعزلة أو محصنة كما في السابق، بل أصبحت خاضعة لتفاعلات متعددة الاتجاهات، وهذا ما يجعل العادات غير المؤسسة على وعي جمعي عقلاني عرضةً للتآكل أو الانقراض، بل وما يزيد الطين بلّة هو غياب التنظيم المؤسسي داخل المجتمع الإيزيدي، مما يجعله أكثر هشاشة أمام القوى المهيمنة الجديدة، سواء كانت اقتصادية أو إعلامية أو حتى دينية.

عليه، يُطرح هنا سؤال جوهري:

هل يمكن الحفاظ على الهوية الدينية من دون إصلاح البنية الاجتماعية التقليدية؟

الجواب لا يكون بالإلغاء أو القطيعة، إنما بإعادة تأويل التراث في ضوء المتغيرات الراهنة، فالإصلاح ليس هدماً للماضي، بل هو عملية نقدية تهدف إلى تمييز الثابت من المتحول، والديني من العرفي، والمقدس من النفعي، ولأجل ذلك، فإن دعوات إصلاح العادات الاجتماعية ليست تهديداً للهوية الإيزيدية، بل صمّام أمان لاستمرارها.

وقد أثبتت التجارب الغربية أن المجتمعات التي لم تُحصّن ثقافتها بقيم عقلانية وتنظيمية صلبة فشلت في مواجهة موجات العولمة، رغم توفر المؤسسات، فكيف يمكن لمجتمع مثل مجتمعنا، الذي يعاني من ضعف في التنظيم الذاتي، أن يصمد في وجه هذه التحديات دون مراجعة جادة لعاداته وتقاليده؟ وخصوصاً أن نسبة كبيرة منهم يعيشون في أوروبا والغرب، ويواجهون هذه التحديات كل لحظة.

ومن هذا المنطلق، فإن الخطاب الإصلاحي الذي طرحه أعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الإيزيدي-الإيزيدي، هو في جوهره نداء لاستعادة الفعل الجمعي الواعي، وتحرير الهوية الإيزيدية من القيود التي تكبّلها، لا بهدف التمرّد، بل سعياً نحو التوازن بين الأصالة والمعاصرة، لكن من المؤسف أن تُشوّه هذه الدعوات من قبل بعض الأفراد الذين يسعون إلى مصالحهم الضيقة، تحت غطاء المحافظة.

ومما لا شك فيه، أن التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الإيزيدي اليوم لا يكمن في الحفاظ على الماضي فقط، بل في قدرته على صياغة مستقبل يستند إلى وعي نقدي، يدمج بين الأصالة والحداثة، ويضمن بقاء الهوية الدينية للإيزيديين ضمن عالم يتغير باستمرار.