منذ فجر التاريخ، شكّلت الأماكن المقدسة محوراً روحياً وثقافياً في حياة الشعوب، وكانت المعابد مركزاً تتقاطع عنده السلطة الدينية والاجتماعية، بل إن الأعراف الاجتماعية التي وُلدت في معظم المعتقدات قد تبلورت لاحقاً في قوانين غير مكتوبة، فرضت احترام قدسية المعبد وسلوكيات المراسيم التي تُمارس فيه، وساهمت في تثبيت الهوية الجمعية للمجتمعات الدينية.
وفي هذا الإطار، كان للمجتمع الإيزيدي حصته التاريخية من تلك الأعراف التي حافظت على حرمة معبد لالش، الذي يُعدّ أقدس موقع ديني للإيزيديين، غير أن الواقع المعاصر يشير إلى تراجع في الالتزام بهذهِ الأعراف، سواء من قبل المشرفين على المعبد أو عموم الزائرين، وذلك أيضاً نظرا لزيادة عدد الزائرين مقارنة بالعقود السابقة، مما يستدعي إعادة النظر في كيفية إدارة الحياة الدينية داخله بما يصون قداسته وهيبته، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تشكيل مجلس إشرافي من شخصيات دينية واجتماعية ذات دراية راسخة بالإيزيدياتي وتقاليدها، يتولّى مهمات تنظيمية وإدارية، دون التدخل في جوهر المراسيم والطقوس التي تظل من اختصاص رجال الدين.
وكما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو "السلطة لا تتموضع فقط في القوانين والمؤسسات، بل في العادات الخطابية والممارسات اليومية"، عليه، فإن تفعيل آليات تنظيمية داخل معبد لالش يجب أن تنطلق من فهم دقيق للعادات والطقوس التي تُشكّل سلطة رمزية على سلوك الأفراد، وهو ما يعزّز فعالية أي مجلس إشرافي يُؤسَّس للحفاظ على قدسية المكان وتنظيم الحياة الدينية فيه، على أن تكمن وظائف هذا المجلس في الجوانب الآتية:
١. تنظيم المناسبات الدينية، وفق جدول محدد يتماشى مع قدسية الأعياد وسعتها الجماهيرية.
٢. توعية المكلفين بمهام الحراسة (الحساسين) بأدوارهم دون تعدٍّ على الآخرين، مع تأهيلهم بسلوكيات الاستقبال والانضباط الديني.
٣. فرض زيّ ديني موحّد خلال المواسم الدينية، يعكس قدسية الموقع ويحفظ الهوية الرمزية للمجتمع الإيزيدي.
٤. تحديد الأماكن المسموح بدخول الزوار غير الإيزيديين إليها، ومنعهم من الوصول إلى المواقع الحساسة مثل زمزم وكانيا سبي ومزارات أخرى.
٥. تخصيص قاعة لاستقبال الوفود الزائرة خارج وادي لالش، تحترم بروتوكول الزيارة دون انتهاك لقدسية المكان.
٦. ضبط السلوك الجماعي في الأعياد، بمنع الأغاني والمكبرات التي تتنافى مع الطابع الروحي للمعبد، والسماح فقط بالدبكات ذات الطابع الديني.
٧. توجيه سدنة المزارات في معبد لالش إلى الالتزام بمسؤولياتهم دون استغلال الزائرين أو التلاعب العاطفي بأفكارهم، وبما يحفظ التوازن النفسي والروحي للفرد الإيزيدي، حيث يجب أن تقوم العلاقة بين السادن والزائر على الإرشاد لا على التخويف.
٨. فرض إزالة الأحذية عند دخول معبد لالش، على الجميع، دون إستثناء.
٩. وضع صناديق أمام عتبات المزارات لتبرعات الخيرين، بدلاً من وضعها امام العتبات.
١٠. إنشاء سوق خارجي خارج وادي لالش، يوفّر إحتياجات الزوار دون المساس بطهارة المكان.
١١. تشكيل فريق إعلامي، لمرافقة الوفود الإعلامية، ومتابعة نشاطاتها، وإرشادها إلى الأسلوب الصحيح، إذ من غير الممكن طرح سؤال ديني من زائر عادي، أو سؤال تاريخ من رجل ديني، أي التنسيق معهم للخروج بما يناسب قدر هذا المعبد وطقوسها.
١٢. توفير وسائل نقل منظمة بين السوق والمعبد، تخفف الضغط على الداخل الروحي للزائر.
أن الحفاظ على قدسية معبد لالش يتطلب توازناً دقيقاً بين الأصالة الدينية والتنظيم الاجتماعي، وبما يضمن استمرارية المعبد كفضاء روحي مقدس ومعلم ثقافي يحترمه الجميع، وهذا المجلس الإشرافي ليس بديلاً عن السلطة الدينية، بل هو أداة لتفعيل الأعراف التي حافظت قروناً على هيبة هذا المقام، في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات الثقافية والاجتماعية.