صيام الأربعين عند الازدائية

د.خيري خضر الشيخ


 من المعلوم ان الديانة الازدائية هي من أقدم  الديانات التوحيدية التي تؤمن باله واحد هو ازدا خودا الخالق  ويتجلي هذا الخالق في مظاهر الطبيعة والنجوم والكواكب لذا يقدس الازدائيين الشمس والقمر ونجمة الصباح وغيرها  كونها من صنع الخالق ،وعلاقة الفرد الازدائي  هي علاقة المخلوق بخالقه يعبدونه لعظمته من خلال تلك الظواهر وتعتمد على فصول السنة والتغيرات المناخية في تحديد اعيادها اي انها ديانة طبيعية تستمد اعيادها من قوى الطبيعة . وقد تكون سبقت الحضارات القديمة مثل السومرية والاكدية والبابلية والاشورية. ولكن  هذه المعتقدات الايزدية  أخذت شكلها الحالي بعد امتزاجها بتقاليد الزهد والتصوّف التي أرساها الشيخ عدي بن مسافر بعد قدومه الى لالش  وادخال مفاهيم التصوف  مع الحفاظ على بعض التقاليد والطقوس والمراسيم القديمة مع تغيرات وحذف بعضها الاخر .
وكان صوم الاربعين في الازدائية القديمة تعبر عن دورات  حركة الكون والتعبد والنسك والتقرب الروحي لرجال الدين والكهنة وكانت تسمى باسم فصول السنة  اربعينية الصيف واربعينية الشتاء ولكن الآن اصبحت باسم اشخاص جلي شيخادي( اي  صوم اربعينية شيخ عدي )و جلي شيخسن (اي صوم  اربعينية شيخ حسن )
 
واصبح  صوم الأربعينيتين فريضة على رجال الدين  مدة عشرين سنة من حياتهم، ويصف بأنه نوع من التصوف والزهد والنسك والابتعاد عن ملذات الدنيا. أن فترة الصوم هذه لا تقتصر بالنسبة للزهاد والمتعبدين على الانقطاع عن الطعام وأداء الأدعية، إذ يبقى الصائم متعبداً طوال الليل والنهار، حتى نومه يكون قليلاً، وبعد الفطور يمكن أن يستقبل اشخاصا  من المتعبدين أو المؤمنين، فيسردون القصص الدينية، ويتطرقون لأمور تتعلق بالعبادة.

1. صيام  اربعينية الشتاء  (Čileya Zistanê )
يُقام الصيام  في أربعين يومًا من ايام البرد 
الشديد والقارص خلال فصل الشتاء من ١٤ كانون الأول  الى ٢٢ كانون الثاني . ويكون هذا التاريخ ثابت .

2. صيام اربعينية الصيف  (Čileya Havînê )
يُقام  الصيام في أربعين يومًا  من ايام الحر الشديد والجفاف خلال فصل الصيف.من ٢٤ حزيران الى ٢ اب ويكون هذا التاريخ ثابت .
ويُمارسهما رجال الدين من المجلس الروحاني وبقية رجال الدين وكل من يرى في نفسه الاستعداد حيث يجب أن يكمل ٤٠ من الصوم الأربعين اي لمدة عشرون سنة ٢٠ صيف و ٢٠ شتاء لذا يجب البدء في عمر مناسب بدا من ١٨ سنة وما فوق وتحت ضوابط دينية معينة .ولكن السؤال هنا ماذا اذا توفي الشخص قبل هذه ٢٠ سنة أو تمرض او اصيب بمرض يمنعه من تكملة الصيام .

 نبذة تاريخية:
الصوم لمدة 40 يومًا له حضور قوي وعميق في عدد كبير من الديانات والحضارات القديمة، وهو رقم رمزي متكرر ارتبط بالتطهير، والتكفير، والانتقال من حال إلى حال (التحوّل الروحي)

 أولًا: لماذا الرقم ٤٠؟
الرقم ٤٠ في الثقافات القديمة لا يُفهم كرقم عددي فقط، بل يحمل دلالات 

١. السامية (اليهودية / المسيحية ) فترة اختبار، تطهير، أو تحول روحي
٢. المصرية القديمة الفترة اللازمة لتحنيط الجسد وتحضيره للعالم الآخر (٤٠ يومًا)
٣. السومرية – البابلية دورة فلكية كاملة في بعض الطقوس، ترمز للخصب والموت والبعث
٤. الزرادشتية رقم له طابع تطهيري مرتبط بالموت وعبور الأرواح

 الصوم أربعين يومًا في الديانات الكبرى

1. في اليهودية
موسى عليه السلام صام ٤٠ يومًا و٤٠ ليلة عند جبل سيناء قبل أن يتلقى ألواح الشريعة.
ورد في سفر الخروج (34:28):
وكان هناك مع الرب أربعين يومًا وأربعين ليلة لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماءً".
الصوم هنا يمثل التهيؤ للقُرب من الإله واستقبال الوحي(التقرب الروحي ).

2.في المسيحية
يسوع (عيسى) عليه السلام صام ٤٠ يومًا في البرية، 
يُحتفل بهذه الفترة في طقس الصوم المسيحي الكبير (Lent) الذي يستمر ٤٠ يومًا قبل عيد الفصح.
و يرمز إلى: التوبة ،الانقطاع عن الشهوات و الإعداد الروحي.

---

3. في الحضارة المصرية القديمة
تُمارَس طقوس التحنيط والتطهير للجسد بعد الوفاة لمدة ٤٠ يومًا.
الرقم يشير إلى فترة عبور الروح إلى العالم الآخر، والتهيؤ للحساب.
                                   4.
في الحضارات الرافدينية (سومر، بابل، آشور)
الرقم ٤٠ له دلالة مقدسة، وغالبًا ما يمثل دورات الخصوبة أو فترات التطهر
الآلهة "إيا / إنكي" يُرمز إليه أحيانًا بالرقم ٤٠ (في النظام العددي السومري الستيني)، ما يعطي الرقم صفة إلهية.

 السبب الرمزي والتقليدي:
1.
الرقم 40 مقدس
الرقم 40 له حضور عميق في الديانات القديمة والحديثة:
١. نوح مكث 40 يومًا في السفينة.
٢. موسى صام 40 يومًا.
٣. يسوع صام 40 يومًا.
٤. وفي الزرادشتية والمانوية والميثرائية، الرقم 40 يُمثل العبور من المادة إلى الروح.
٥. عند الإيزيديين، يُشير الرقم 40 إلى:
مرحلة نضوج روحي،تطهير .

2. توازن الكائن والكون (الحرارة والبرد)
١. الصيام في الشتاء هو اختبار ضد البرد والجمود.
٢. الصيام في الصيف هو مقاومة للحرارة والشهوات.
وبذلك، يمثل توازن القوى الكونية في الإنسان: حرارة الصيف = طاقة، وبرودة الشتاء = تأمل وسكون.

3. الانسحاب والتأمل
رجال الدين ينسحبون من الحياة اليومية، يعيشون حياة زهد وروحانية.
يُشبه هذا انسحاب رجال التصوف أو الرهبان إلى الجبال أو الأديرة.

يُعتقد أن هذه الفترة تُخصص لـ:
١. تلاوة نصوص دينية.
٢. طقوس خاصة.
٣. تطهير النفس.
4.
صلة محتملة بالتقاليد القديمة :
١. هناك تشابه واضح بين هذا الصيام الإيزيدي وصيامات الكهنة في بابل وأوروك.
٢. مواسم التأمل المانوية.
٣. دورات القمر والشمس في الطقوس الزرادشتية.
٤.قد يكون هذا الصيام استمرارًا لطقوس كهنوتية آشورية أو فارسية قديمة، حيث كان الكهنة ينقطعون للعزلة والتطهير 40 يومًا في بداية ونهاية الموسم الزراعي.

واذا ربطنا صيام الـ 40 يومًا في الصيف والشتاء عند رجال الدين الإيزيديين بما ورد في الكتابات السومرية والأكادية، وخاصة في نصوص الكهانة والطقوس الموسمية.

أولًا: الرقم 40 في الموروث السومري-الأكادي
 في الألواح الطينية:
الرقم ٤٠ (٤ × ١٠) كان يُستخدم كعدد طقوسي له طابع مقدّس وموسمي.
يُكتب في النظام الستيني السومري كـ "𒐔" ويرمز غالبًا للإله إيا / إنكي (Ea / Enki)، إله الحكمة والمياه والتطهير.

 أمثلة من النصوص القديمة:
1.
نص طقوسي بابلي من نيبور (حوالي 1500 ق.م):
١.يجب أن يعزل الكاهن نفسه أربعين يومًا...
٢.لا يلامس النساء،
٣.لا يأكل اللحم،
٤. لا يستحم بماء بارد،
٥. يقرأ طقوس التطهير قرب معبد إيا."
 
هذا النص يطابق مفهوم الصيام التأملي، كما يفعله الإيزيديون.

2. "نص إشراق تموز" – طقوس العبور الموسمية:
يصف انسحاب الكهنة لأربعين يومًا قبل "رجعة تموز (ديموزي )من العالم السفلي وخلال هذه الأيام:

١.يُمنع الكهنة من الظهور علنًا.
٢. يُمارسون تلاوات سرّية (مثل الأقوال عند الإيزيديين).
٣.يتم الامتناع عن الأطعمة الساخنة والماء البارد.
 
يوازي هذا ما يقوم به رجال الدين الإيزيديون في اربعينية  الصيف والشتاء.

ان أغلب الباحثين (مثل "Jacobsen" و"Black & Green") يرجّحون أن:

١. بقايا الكهانة السومرية والطقوس البابلية استمرت في التقاليد بعض الاديان ومنها الإيزيدية، والمسيحية واليهودية ، وحتى بعض تقاليد المندائيين.
 
أي أن صيام الأربعين (الذي نجده  في التقاليد الايزيدية ، المسيحية واليهودية ) قد يكون امتدادًا مباشرًا للطقوس الكهنوتية السومرية.

الرقم ٤٠ في الصيام له جذور دينية وأسطورية تعود إلى أقدم الحضارات، ويستمر حضوره في الديانات الكبرى.

أولًا: الديانات التي تصوم 40 يومًا (مرة واحدة في السنة)

1. اليهودية
يسمى الصوم الطويل بـ "صوم موسى"، حيث صام 40 يومًا على جبل سيناء (سفر الخروج 34:28).
رغم أن الصيام الرسمي في اليهودية (مثل يوم كيبور) لا يدوم 40 يومًا، إلا أن التقليد الحاخامي يروي أن موسى صام 3 مرات 40 يومًا، وخاصة في فترات التوبة والكفّارة.

2. المسيحية
الصوم الكبير (Lent): مدته 40 يومًا قبل عيد الفصح، إحياءً لصوم المسيح 40 يومًا في البرية.
ويُعتبر من أهم الصيامات الروحية في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية.

3.الصوفية وبعض الطرق الروحية استخدمت الخلوة الروحية لمدة 40 يومًا (الأربعينية)، وهي نوع من الصيام العقلي والجسدي كما هو الحالةفي التصوف العدوي .

 ثانيًا: الديانات التي تصوم 40 يومًا في الصيف و40 في الشتاء .

1. الديانة الإيزيدية
رجال الدين الإيزيديون وبعضا من العامة يصومون 
40
يومًا في الصيف ويسمى صوم اربعينية الصيف.

40 يومًا في الشتاء ، ويُسمى صوم اربعينية الشتاء.
الصيام الإيزيدي ليس فقط عن الطعام بل يتضمن الصمت، العزلة، والنقاء.
ومن الأرجح  أن هذه الممارسة امتداد لتقاليد سومرية وبابلية كانت تُخصص الكهنة لعزلة روحية في موسمي الصيف والشتاء، توازي دور الكاهن كوسيط بين الإنسان والكائنات العليا في فترات تغير الطبيعة.
 
رمزية الرقم 40:
40
يوم مدة التهيئة والتحوّل والتطهير
يظهر في طوفان نوح، صوم موسى، صوم المسيح، خلوة الأنبياء
وفي الفكر القديم حيث ٤٠ يوم هو  الدورة الكاملة للخصوبة/الفصول/الروح.

وهنا لا أتحدث عن مراسيم وطقوس العيد الحديثة ولكنني اوكد على الجلخانة اي الخلوة او المكان الذي كان خاصا بالذين يصومون الأربعين متفرغين للصوم والعبادة والادعية بعيدين عن الآخرين للعزلة والتزهد والتقرب الروحي .ولحد الان في اليوم الذي يسبق اليوم الاول للصيام ياخد بابا شيخ بعض التراب من الجلخانة ايذانا ببدا الصيام الاربعيني. اما في  هذا العيد  تجري  مراسيم السما وبيتا جندي وبيتا سبيكى وبيتاهيفارى وكوفنا كانيا سبي كلها على أنغام دف و شباب(الناي)  فهي موجودة في اعياد اخرى للايزديين .