( بين صراع الفصائل المسلحة والقوى الاقليمية في المنطقة .. هل يقرأ الايزيديون المشهد ؟ )

خيري بوزاني


تشهد منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن تحولات جيوسياسية وأمنية معقدة، تقودها صراعات الفصائل المسلحة والتنافس بين القوى الإقليمية والدولية. في قلب هذا المشهد المضطرب، تتعرض الأقليات، بما فيها المجتمع الإيزيدي، لتحديات تهدد وجودها وأمنها، كما تُلقي بظلالها على مستقبلها السياسي والاجتماعي.

الإيزيديون، باعتبارهم مجتمعاً دينياً وثقافياً متجذراً في المنطقة، يقفون أمام مفترق طرق جديد يتطلب قراءة دقيقة للواقع السياسي والأمني الراهن، لا سيما بعد الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في عام 2014 على يد تنظيم “داعش” الإرهابي. فهل يقرأ الإيزيديون هذا المشهد بوعي استراتيجي لتجنب كوارث مماثلة؟ وكيف يمكن للأطراف الإيزيدية، السياسية والعسكرية والأمنية، الاستفادة من هذه القراءة لتحقيق الاستقرار وضمان مستقبل آمن ومستدام؟

قراءة المشهد الإقليمي

الصراعات المسلحة في سوريا والعراق، مدفوعة بتدخلات إقليمية ودولية، خلقت فراغات أمنية خطيرة استغلها التنظيمات الإرهابية والمليشيات. بالنسبة للإيزيديين في سوريا وسنجار، فإن هذه الصراعات تهددهم بشكل مباشر، إذ إن المناطق التي يقطنونها تقع على خطوط التماس بين القوى المتنازعة.

تشكل التدخلات التركية في شمال سوريا والعراق، بالإضافة إلى التواجد الإيراني المتزايد في العراق، تهديداً إضافياً للمجتمعات الإيزيدية. ففي إطار حربها ضد حزب العمال الكردستاني، تستمر تركيا في قصف مناطق سنجار، مما يزيد من معاناة السكان ويعوق عودة النازحين. وفي الوقت ذاته، تسعى إيران إلى توسيع نفوذها عبر الميليشيات المرتبطة بها، مما يعقد الوضع بشكل أكبر.

رغم تحرير سنجار من “داعش”الإرهابي ، إلا أن المنطقة لا تزال تعاني من غياب الأمن المستدام. تعدد الفصائل المسلحة، بما فيها وحدات مقاومة سنجار والقوات الحكومية العراقية والحشد الشعبي، خلق بيئة من التوتر وعدم الاستقرار.

الخطوات اللازمة لقراءة المشهد وتجنب الكوارث:

على الأطراف الإيزيدية كافة إجراء تحليل شامل للواقع الميداني، مع التركيز على:

  1. خريطة الفصائل المسلحة في المناطق المحيطة بسنجار وشمال سوريا.
  2. توجهات القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران، ومدى تأثيرها على الأوضاع الأمنية.
  3. التحديات المرتبطة بعودة النازحين وإعادة الإعمار.
  4. العمل على بناء قنوات تواصل مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لضمان تنسيق الجهود الأمنية في سنجار.
  5. طلب ضمانات دولية من الأمم المتحدة والقوى الكبرى لحماية الإيزيديين من أي تهديد مستقبلي.
  6. توحيد الخطاب الايزيدي لتجنب الانقسامات الداخلية.
  7. تشكيل مجلس موحد يمثل الإيزيديين.
  8. الإسراع في إعادة إعمار سنجار والمناطق الإيزيدية الأخرى لتأمين عودة النازحين وتحقيق الاستقرار.
  9. التركيز على التنمية المستدامة التي تعزز مناعة المجتمع أمام التحديات المستقبلية.

قراءة المستقبل : من الإبادة إلى الاستقرار

يجب أن تكون الإبادة الجماعية عام 2014 درساً تاريخياً للإيزيديين للعمل على بناء نظام حماية ذاتي مستدام. هذه الحماية لا تعتمد فقط على القوة العسكرية، بل تشمل أيضاً تعزيز الوحدة الداخلية، بناء تحالفات سياسية متينة، وضمان الدعم الدولي.

إن قراءة المشهد الحالي، بكل تعقيداته، هي مفتاح لصناعة مستقبل آمن للإيزيديين. على القيادة الإيزيدية أن تنظر إلى ما وراء الحدود القريبة، وأن تعمل على استثمار الفرص الدبلوماسية والسياسية لتجنب تكرار المآسي.

في النهاية، إن قدرة الإيزيديين على تجاوز المحن السابقة، إذا ما اقترنت بخطة استراتيجية واضحة، يمكن أن تكون نموذجاً للصمود والبقاء في منطقة مضطربة.