في مثل هذه الأيام، ومع اقتراب الثالث من آب، تعود الذاكرة الجماعية الإيزيدية إلى النزيف.
يكتب البعض عن الألم، عن الغضب، عن جراحٍ لم تندمل، عن ذكريات محفورة في الروح.
ولا أحد يمكنه أن يُنكر حقّهم في ذلك...
بعد كل ما حصل، بعد كل ما فُعل بنا، لنا كل الحق.
ولكنني – اليوم – أختار أن أكتب عن النور.
عن النور الذي نُسي بين ركام الحزن.
عن النور الذي يسكن ذاكرة الوجود الإيزيدي،
ذاكرة الذات التي لا تُباد، ولا تُمحى.
نحن الإيزيديين لم نأتِ من الفرمانات،
جذورنا أقدم من الألم، ووعينا أعمق من الفقد.
نحن من النور.
فالبشر جميعًا، كأرواح، جاؤوا من النور...
لكننا كإيزيديين، نجد في أقوالنا النورانية متنفّسًا خاصًا، يُنعش أرواحنا ويذكّرنا بجوهرنا.
ليست أقوالنا كلمات عابرة، بل مفاتيح لوعيٍ عميق، لحقيقةٍ نورانية توارثناها جيلاً بعد جيل.
وقول شيشمس – ذاك الكائن النوراني، رسول الضوء، ومفتاح القلوب – ما هو إلا تذكير بذلك الأصل:
ئێتيت من روشا – أتيتُ من النور
في زمنٍ طغت فيه الغفلة، يذكّرنا هذا القول بأصلنا الحقيقي.
لسنا من الظلمة.
نحن أبناء النور الإلهي، أبناء الشمس، أبناء الحياة رغم الموت.
ويقول أيضًا:
"من روناهيه، خهڤن نهكه"
"أنا النور، فلا تنم في الغفلة."
وفي قوله:
ئێتيت من روشا،
نە من تاریکیە، نە من خەفەتە
من ڕووناهی مەعنویە
الترجمة:
أتيتُ من النور،
لستُ من الظلمة، ولا من الغفلة،
أنا من نورٍ معنوي.
في هذه الأيام التي تعود فيها الذاكرة إلى سنجار،
دعونا لا ننسى:
أننا من النور، لا من الدمار.
أن أرواحنا لم تُكسر، بل تذكّرت حقيقتها.
وماذا لو نكسر تلك الذاكرة التي حُفرت في اللاوعي الإيزيدي كأمة مظلومة ومنكسرة منذ آلاف السنين؟
ماذا لو كسرنا السردية التي ترى في الإيزيدية دينًا مهددًا أو مضطهدًا على الدوام؟
ماذا لو تحررنا من أدوارنا الجماعية كضحايا؟
وكسرنا هذا الألم... لا لننكره، بل لنتجاوزه بوعي؟
فلنبدأ ببناء وعيٍ جديد لأطفالنا ولأجيالنا القادمة – وعي ينبع من نور الشمس، من نور الوعي،
وعي لا ينكسر، بل يُنعش كل من اقترب منه.
وهذا ما أثبته الإنسان الإيزيدي عبر كل محنة.
رغم كل المعاناة، هو لا يزال يتطور… نحو الأجمل، نحو الأعمق، نحو الأوعى.
وخاصة المرأة الإيزيدية –
أثبتت للعالم أنها لا تنكسر.
حتى إن كُسر جسدها،
حتى إن صمتت القلوب من حولها أو ازدادت قسوة،
فإن أنوثتها لا تموت.
الأنوثة الإيزيدية أنوثة ملاك…
أنوثة ألم، وأنوثة شفاء.
أنوثة أرض، وأنوثة حياة.
أنوثة الإلهة الأرض الأم "غايا" – تلك التي تحتضن العالم ولا تُقهر.
المرأة الإيزيدية لم تكن يومًا "ضحية فقط"،
بل كانت حارسة الذاكرة،
ونور الاستمرار في عمق هذا الوجود.
وكما نكتب عن النساء، لا ننسى رجالنا...
إلى الأب الإيزيدي، الأخ، الزوج، الابن –
أولئك الذين حاول الإرهاب كسرهم عبر نسائهم…
لكنهم لم ينكسروا.
أرادوا إذلالكم، فزدتم شرفًا.
أرادوا كسر أرواحكم، فازددتم قوة.
أرادوا أن تُنكّروا نساءكم، فاحتضنتموهن بقلوبكم…
بناتكم، زوجاتكم، أمهاتكم.
لقد كسرتم بصمتكم النبيل كل من حاول أن يُذلّكم.
أنتم الشجاعة التي لا تُنسى.
أنتم الرجولة التي لم تخذل.
أنتم نورٌ في وجه القبح،
وذاكرة ستُروى للأجيال.
ليكن نور شيشمس في قلوبنا.
فمن سار في درب النور… لا يُؤخذ منه شيء.
على أرواح شهدائنا…
سلامٌ ونورٌ لا يزول.